إخوان الصَّفا جمعية سرية تأسست على الأغلب في مدينة البصرة حاضرة الثقافة الإسلامية في زمن ما من النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر ميلادي). لهم ميراث ضمن رسائل عددها 52 فيها أراء جدلية تحوم حول مفاهيم يغلفها عقل وممازجة روحية تطال عقيدة، وإلهيات، وفلسفة، ومنطق، وقضايا وأفكار، وسياسية مبطنة تخص عصرها. هذه الرسائل دُوَّنت في مؤلف أسموه "رسائل إخوان الصّفا وخلَّان الوفا"، كتموا أسمائهم فيها، وغموض من كتبها. زمنهم الفترة البويهية الفارسية عام 334 - 447هـ التي كان لها نفوذ وسلطة أثناء العصر العباسي في بغداد.
إخوان الصَّفا قد تضاربت وتباينت فيهم اراء القدماء، ومعظمها متأخر عن عصر الإخوان، وهذا لطبيعة سرية الجماعة ضمن تستر وتقية. أبا حيّان التوحيدي المؤرخ أورد في كتابه"الإمتاع والمؤانسة"، وكتاب اخر له "المقابسات"واصفاً أحدهم في محاورته له عام 372هـ قائلا؛"فيهم ذكاء غالب، وذهن وَقّاد، ويقظة حاضرة، وسوانح متناحرة، ومتّسع في فنون النظم والنثر، وتبصر في الآراء والديانات، وتصرّف في كل فن".
وأضاف التوحيدي كذلك في كتاب"الإمتاع والمؤانسة"قوله"قد رأيت (رسائل اخوان الصفا)جملة منها، وهي مبثوثة من كلّ فنّ، نتفاً بلا إشباع ولا كفاية، وفيها خرافات، وكنايات، وتلفيقات، وتلزيقات، وقد غرقَ الصّوابُ فيها لغلبة الخطأ عليها"، إلى أن قال؛ وحملت عدّة منها إلى شيخنا أبي سليمان المنطقيّ السّجستانيّ محمد بن بهرام وعرضتها عليه، ونظر فيها أياماً واختبرها طويلاً، ثم ردّها عليّ وقال؛"تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجدوا، وحاموا وما وردوا، وغنّوا وما أطربوا. ظنّوا أنهم يمكنهم أن يدسّوا الفلسفة التي هي علم النّجوم والأفلاك والمجسطي والمقادير وآثار الطّبيعة، والموسيقى التي هي معرفة النّغم والإيقاعات والنّقرات والأوزان، والمنطق الّذي هو اعتبار الأقوال بالإضافات والكمّيّات والكيفيّات في الشريعة". وفي هذا السياق حذر الذهبي في سير أعلام النبلاء من تآليف كرسائل إخوان الصَّفا وأمثالها قوله؛ والعلم الذي يحرم تعلمه ونشره علم الأوائل وإلهيَّات الفلاسفة".
رسائل إخوان الصفا عند بعض النقاد أنها من بواکير الفکر الفلسفي في الإسلام، وفيها محاولة موائمة الدين والفلسفة. مثلا قولهم في فکرة البعث يوم القيامة أنه يرتكز على جانبين جسماني وروحاني، وميلهم أشد إلى البعث الروحاني، وهذا سرّ تفهمه عند خواص العباد. وقد قسموا الإنسان إلى روح وجسد؛ أما الجسد فلا يعني سوى استعمال النفس له، فإذا ترکت النفس استعماله فسد، وهذا هو المقصود بموت الجسد، أما موت النفس فيعني "جهلها بحقيقتها، وغفلتها عن معرفة ذاتها". وهم بهذا ارادوا توافق مع النص الديني لكنهم يذهبوا لرأي الفلاسفة.
هنالك في رسائل إخوان الصفا ما فيه باعث للتأمل مثلا؛ الرسالة الخامسة من الجسمانيات الطبيعيات في بيان تكوين المعادن قولهم؛ واعلم أن الجواهر المعدنية كثيرة الأنواع لا يُحصِي عددها إلا الله تعالى، ولكن منها ما يعرفه الناس، ومنها ما لا يعرفونه، وقد ذكر بعض الحكماء ممَّن كانت له عناية بالنظر في هذا العلم والبحث عن هذه الأشياء، وأنه قد عرف وعدَّ منها نحو تسعمائة نوع، كلها مختلفة الطباع والشكل واللون والطعم والرائحة والثقل والخفة والمضرَّة والنفع،
هنالك من يقول إن إخوان الصفا في بعض رسائلهم منفتحو العقل على التأويل. ذكرت رفعة بنت هادي اليامي، مؤلفة كتاب "إخوان الصفا وخلان الوفا: نظريات التطور وفلسفة الوجود"؛ أن إخوان الصفا يرون أن "الموجودات خلقت في سلسلة متصلة، منفصلة بعوامل الزمن، ما عدا الكائنات العليا مثل الإنسان والقرد وغيرهم حيث خلقوا من الطين مباشرة". فهم يرون أن "الإنسان آخر المخلوقات وجد بعد وجود الحيوان والنبات لأنهما مصدر غذائه، والحيوان خُلق بعد النبات لأن النبات مصدر غذائه، والنبات خلق بعد المعادن، لأنه مصدر غذائها، والمعادن وجدت بعد وجود الماء لأنه سبب تكوينه".
وتبقى رسائل إخوان الصَّفا وخلّان الوفا ضمن دائرة نتاج معرفي ماضي فيه سعة آفاق وتنوع أراء. وأهل البحث والتخصص هم من ذلك منتفعين، والقارئ الذي شغفه الاطلاع أن يتحصن بيقظة الفطين، وينتبه لكل ما هو هجين.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |