في البداية نهنئ جميع الطلبة المقبولين في البرامج الأكاديمية في جميع الجامعات، وأحب أن أشد على أيدهم للجد والاجتهاد وأحثهم على نهل العلم والمعرفة في جميع المجالات، كما أحثهم على التعاون المتبادل بما يصب في مصلحتكم الجامعية، في نفس الوقت أود أن أنبه على الحرص والوعي التام بعملية التواصل الفعَّال فيما بين الطلبة وما تحتويه الحياة الجامعية من فنون تواصل وإجراءات أكاديمية قد تكون جديدة على البعض.
تُعتبر أنماط التواصل من الأمور المهمة في الحياة الجامعية والتي تجعل حياة الطالب الجامعي سهلة ومريحة نفسياً في البيئة الأكاديمية وذلك من خلال تحسين سلوك التواصل الفعَّال واستخدام الذكاء العاطفي مما يساعد على معرفة نفسية الأشخاص الذين هم من حولك وطرق التعامل معهم، وتنقسم أنماط التواصل إلى أربعة أنواع وهي: النمط السلبي، النمط العدواني، النمط السلبي العدواني، النمط الحازم.
أولاً: النمط التواصل السلبي (Passive Communication Style)، ولتقريب الصورة أكثر نضع هذا السيناريو، أنت طالب متفوق والفصل الدراسي الأول أوشك على الانتهاء وجميع الطلبة يرتبون أنفسهم من خلال تسليم التكليفات (الواجبات) والاستعداد لفترة ما قبل الامتحانات، فوجئت يوم الخميس أي نهاية الاسبوع بأن هناك زميل لك في أحد المقرر وتربطك معه زمالة قوية أو زمالة عادية طلب منك مساعدة في حل واجب (Assignment) معين ولسبب ما، وأن آخر يوم لتسليم هذا الواجب هو يوم الأحد القادم، هذا يعني بأنك يوم الجمعة والسبت واللذان كنت مخططاً ليكونا يوماً للمراجعة وتقضي بقية الوقت مع أفراد الأسرة قد ضاع، هذه أول صورة سوف تمر على عقلك الآن.
هنا سوف نضع بعض الأسئلة بشكل سريع، هل هذا الموقف استثنائي ولم يتكرر من قبل؟ هل هناك سبب وجيه لمساعدته؟ أو هل هذا الطالب متعود على استخدام هذه الطريقة معك؟
في حالة لو توصلت إلى نتيجة بأنه كل مرة يقوم هذا الطالب يقوم بنفس الفعل وأنت توافق على طلبه. فهنا نصل إلى نتيجة بأن الخلل ليس في الطالب وإنما الخلل فيك أنت! ويتضح لنا بأنك "ذو نمط التواصل السلبي".
نفس الشيء لو كانت صديقتك في الجامعة تطلب منك في أي وقت فراغ لديها حضور فعالية أو نشاط جامعي هي مهتمة به؛ في حين أنتِ بحاجة لهذا الوقت لأمور أكثر أهمية ولا تعتذري لها عن المشاركة هذا أيضاً يسمى "نمط تواصل سلبي". نضع هنا سؤال لماذا هناك طلبة (أشخاص) لديهم نمط التواصل السلبي؟ الجواب هو هدف هؤلاء الطلبة الحصول على رضا وحب الأخرين وهم يحاولون تتجنب المشاكل والصراعات أو الخلافات مع من هم في دائرة التواصل معهم، أيضاً هؤلاء الأشخاص يعتبرون أنفسهم أقل أهمية من الأخرين ويحتفظون بآرائهم لأنفسهم ولا يصرحون بها ويضعون احتياجاتهم في أغلب الأوقات في ذيل القائمة خوفاً من حكم الناس عليهم، وهنا يمكن أن نقول قد يجنبك هذا النمط من الاصطدام مع الأخرين وقد يكون مريح بعض الشيء ولكن على المدى القصير فقط، وسوف يؤثر على صحتك النفسية بكل تأكيد على المدى الطويل، وقد توصلت نتائج الدراسات السابقة في هذا المجال بأن الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط يشعرون بالقلق والتوتر والضغط العصبي، والسبب لأنهم لا يعبرون عما في أنفسهم وأن هناك أموراً مكبوتة في داخلهم وهم أشخاص غير مقدرين من الذين حولهم ويحسون بالعزلة وعدم الرضا عن انفسهم، وأصحاب هذا النمط السلبي يفقدون السيطرة على نفسهم ويكون الآخرون هم من يسطرون عليهم، كما يفقد شغف الدراسة بسبب كثر الضغوطات التي عليه.
فمن الأفضل الابتعاد نهائياً عن هذا الأسلوب لأنه يعزز متطلبات وأولويات الأخرين على أولوياتك أنت ويقلل من تقيمك لنفسك وأيضاً يقلل تقييم الأخرين إليك.
ثانياً: نمط التواصل العدواني "عدائي صريح" (Aggressive Communication Style)، هو أسلوب تواصل يتميز بمحاولة فرض السيطرة أو الهيمنة على الآخرين من خلال استخدام القوة أو التهديدات أو الإهانات. في هذا النمط، يركز الشخص على إيصال رسالته بقوة وكثافة، دون الاهتمام بمشاعر أو آراء الآخرين.
وهو أيضاً شكل من أشكال التعبير عن المشاعر والاحتياجات بطريقة هجومية أو تهديدية، سواء بالكلمات أو بالأفعال. الأشخاص الذين يتبعون هذا النمط غالباً ما يحاولون فرض سيطرتهم على الآخرين أو التقليل من شأنهم، مما يؤدي إلى إلحاق الأذى بالعلاقات وإفسادها.
من سمات الأشخاص الذين يتبعون نمط التواصل العدواني:
السيطرة: يسعون جاهدين للسيطرة على الآخرين في أغلب المواقف، التحكم: يستخدمون الأوامر والتهديدات لتحقيق أهدافهم، الانتقاد: يميلون إلى انتقاد الآخرين ولومهم على أي خطأ، الإهانة: يستخدمون لغة مهينة وساخرة، التفوق: يشعرون بأنهم أفضل من الآخرين، العدائية: يعبرون عن غضبهم بطريقة مباشرة وغير مهذبة.
هذا النمط يؤثر بشكل مباشر على العلاقات ما بين الأشخاص، حيث أن الشخص ذو النمط العدواني يريد الطرف الثاني تنفيذ طلباته بطريقته هو في حين الطرف الثاني له رأي مختلف فيحاول الدفاع عن نفسه ويقوم بعملية عدم الإذعان للطرف الأول، وهذا بدورة يسبب صراع مستمر بين طرفين، في حين كان من المفروض هناك مساحة تعاون مشتركة بين الطرفين، في نفس الوقت الطالب ذو نمط التواصل العدواني مع مرور الوقت يبدأ يفقد الأصدقاء ويعيش حياة جامعية منعزلة ويعيش حالة من الصراع النفسي المستمر. ويُعتبر الطالب صاحب هذا النمط من الأنماط الصعبة في التعامل ويتسم بنسبة لا بأس بها من النرجسية "حب الذات".
ثالثاُ: النمط التواصل السلبي العدواني (Passive-Aggressive Communication Style)، هو شكل من أشكال التعبير عن الغضب والإحباط، ولكنه يتم بطريقة غير مباشرة، على عكس النمط العدواني الصريح الذي يتضمن صراخاً أو أوامر أو حتى تهديد مباشر، فإن النمط السلبي العدواني يعتمد على أساليب أكثر دهاءً وَخَفِيَّةٌ لإيصال الرسالة، مما يجعل التعامل معه أكثر صعوبة. وهو أيضاً أسلوب يعبر فيه الشخص عن مشاعره السلبية بشكل غير مباشر بدلاً من الإفصاح عنها بصراحة، يمكن أن يظهر هذا السلوك من خلال عدة علامات، مثل، المماطلة: تأجيل المهام أو عدم الالتزام بالمواعيد النهائية كطريقة للتعبير عن الاستياء، المجاملات اَلتَّهَكُّمِيَّةُ: أي تقديم مجاملات تبدو إيجابية لكنها تحمل في طياتها إهانة أو انتقاداً، العبوس أو الانسحاب: إظهار الاستياء من خلال تعابير الوجه أو الانسحاب من المواقف الاجتماعية، رفض التعاون: عدم التعاون أو تقديم الأعذار بشكل متكرر لتجنب القيام بمهام معينة.
هذا السلوك يمكن أن يؤثر سلباً على العلاقات الشخصية والمهنية، لذا من المهم التعرف عليه ومعالجته بشكل مناسب. أعتقد بأنه يقع ضمن فئة الأشخاص النرجسيين، وقد يكون من أصحاب العلاقات السامة "تحليل واجتهاد شخصي".
طبعاً هذا النمط هو الأصعب في الاكتشاف والتعامل معه، كيف؟ نعطي مثال تقريبي، طالبة حصلت على درجة (A) في مقرر ما، وصديقتها لما عرفت بالدرجة رد عليها "ألف مبروك"، أصلاً هذا الدكتور الكل يحصل عنده (ِA)، في نفس الوقت نلاحظ لغة جسدها (body language) عليها ملامح السخرية أو اَلتَّهَكُّمِ والابتسامة الصفراء، هنا نلاحظ بأن الطالبة (الطرف الثاني) لم تسطع التعبير بصورة مباشرة عن غضبها لكنها أوصلت إيحاءات (للطرف الأول) وبصورة لا تستطيع أن تُجزم أو تَأَكَّد ما تعنيه بالضبط، حيث إنها باركت للطالبة (الطرف الأول) لحصولها على أعلى درجة وأيضاً وصفت مدرس المادة بأنه غير شديد في رصد الدرجات. ظاهرياً هذه الطالبة تتعامل معكِ بشكلٍ لطيف وجميل ومن الصعب أن تثبتِ عليها أنها أخطأت في حقكِ، ولكن داخلياً هي تحاول أن يؤذيكِ بطريقة غير سوية أو غير مباشرة!
كيفية التعامل مع شخصية النمط السلبي العدواني؟
الحفاظ على الهدوء: تجنب الرد بالمثل، التعبير عن المشاعر بطريقة واضحة ومباشرة: أشرح للشخص كيف تشعر تجاه سلوكه، وضع حدود واضحة: حدد السلوكيات غير المقبولة.
ويُعتبر هذا النمط من الأنماط الصعبة في التعامل، ويمكن أن نقول بأن هذه الطالبة أو الطالب يعيش حالة من النرجسية وتتصف علاقاته بما يسمى بـ "العلاقة السامة" وهذا أيضاً تحليل واجتهاد شخصي.
وحسب متطلبات وزارة التربية والتعليم، ومجلس التعليم العالي في مملكة البحرين تتوفر في كل مؤسسة تعليم عالِ وحدة التوجيه والإرشاد، لذا إذا كنت تعتقد أنك تتبع النمط السلبي العدواني، فمن المهم طلب المساعدة من المختص بالصحة النفسية في هذه الوحدة، حيث يمكن للمعالج أن يساعدك على فهم أسباب سلوكك وتطوير مهارات تواصل أكثر صحة وفعالية، وللعلم فإن هذه الوحدة تتعامل مع الطلبة وجميع الحالات بسرية تامة.
رابعاً: النمط التواصل الحازم (الفعَّال) (Assertive Communication Style)، هو أسلوب تواصل يتميز بالوضوح والثقة والاحترام المتبادل، والشخص الحازم يعبر عن أفكاره ومشاعره واحتياجاته بطريقة مباشرة وصادقة، دون أن يكون عدوانياً أو متردداً، والشخص الحازم يُعبر عن رأيه ومشاعره بصراحة ووضوح، دون اللجوء إلى العدوانية أو الانسحاب، حيث إنه قادر على الدفاع عن حقوقه واحتياجاته مع الحفاظ على علاقات إيجابية مع الآخرين.
ويتسم صاحب هذا النمط بالأمور التالية، الوضوح والصدق: يعبرون عن أفكارهم ومشاعرهم بصراحة وبدون غموض، احترام الذات والآخرين: يقدرون قيمتهم الذاتية وقيمة الآخرين، القدرة على الاستماع: يستمعون بانتباه إلى وجهة نظر الآخرين، القدرة على قول "لا": يرفضون الطلبات التي لا يتفقون معها بلطف وبحزم، الثقة بالنفس: يؤمنون بقدراتهم وقراراتهم، وأخيراً التركيز على الحلول: يسعون إلى حل المشكلات بطريقة بناءة.
فوائد النمط التواصل الحازم:
علاقات أفضل: يساهم في بناء علاقات قوية وصحية مع الآخرين، احترام متبادل: يحفز الاحترام المتبادل بين الأفراد، تقليل الصراع: يساعد في حل النزاعات بطريقة سلمية، زيادة الثقة بالنفس: يعزز الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات، تحقيق الأهداف: يساعد في تحقيق الأهداف الشخصية والمهنية.
كيف تكون شخصاً حازماً؟
تعلم التعبير عن مشاعرك: استخدم "أنا" بدلاً من "أنت" عند التعبير عن مشاعرك، استمع بفعالية: حاول فهم وجهة نظر الآخرين قبل الرد، كن واضحاً ومباشراً: عبّر عن أفكارك بطريقة واضحة وموجزة، تدرب على قول "لا": ابدأ برفض الطلبات الصغيرة وزد تدريجياً، تعلم مهارات التفاوض: تعلم كيفية الوصول إلى حلول مرضية للجميع.
نعطي مثال على التواصل الحازم: طالب دائم التأخر وغير منضبط في المواعيد سواء للمراجعة أو حل الواجبات وغيرها!
سيكون الرد النموذجي لصاحب نمط التواصل الحازم (الفعَّال) كما يلي: أشعر بالإحباط عندما تتأخر عن موعدنا الخاص بمراجعة الدروس وحل الواجبات، من المهم بالنسبة لي أن أكون دقيقاً في مواعيدي، وأود منك أن تحاول الوصول في الوقت المحدد المتفق عليه سلفاً.
عزيزي الطالب عزيزي القارئ، الشخص الحازم يعرف ما يريد ويعبر عنه بطرق تحترم الآخرين، مما يؤدي إلى تحقق الأهداف المرجوة بفعالية، وهذا النمط من التواصل يساعد في بناء علاقات صحية وإيجابية مع زملائك في الجامعة، وهو المراد "تحقيقه" في مسيرتك الجامعية أو الحياتية لتكون أكثر ثراءً بالعلاقات الإيجابية سواءً من طلبة أو أساتذة وبناء علاقات صحية متوازنة مع الجميع.
إن تبني نمط التواصل الفعَّال (الحازم) وتطبيقه على من حلوكم بشكلٍ تدريجي لهو أفضل منهج لتطلعوا من حولكم بشكل مباشر أو غير مباشر بشخصيتكم الكامنة.
في الختام، أن هذه الأنماط آنِفة الذكر يمكن أن تنسحب على أغلب مجالات الحياة سواء في العمل، العلاقات الشخصية أو الجامعة. والآن هل أنت مستعد لتبني نمط الواصل الفعَّال؟
*أكاديمي بحريني
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |