العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
احمد عبدالله الحسين
احمد عبدالله الحسين
خربشة ومغزى .. "لامية العرب ،، قصيده جذبت عرب ومستشرقين "
الخميس 26 يناير 2023

عُرفت قصيدة لامية العرب عند الكثير عرب ومستشرقين، وتُرجمت لعديد لغات، والقصيده هي لشاعر عاش قبل الاسلام بقرن ومات مقتولا، واسمه عمرو بن مالك الأزدي الملقب بالشنفري ويعني عظيم الشفتين. واللامية قرابة 68 بيت، وتعرض مشهد مجتمع البادية، وما فيه من شجاعة وعزيمة وقوة وعزة نفس. والفاظها ابتعدت عن الرخو من الكلام، واكتست صراحه واعتماد على الذات.

القصيده رغم جدلية نسبتها واسنادها،  حازت على شروح وتحليل تنوع عبر العصور، ومن الذين اهتموا بها؛ المُبَرِّد محمد بن يزيد، والتبريزي يحيى بن علي، والزمخشري جار الله، وكذلك العكبري عبد الله بن الحسين، وابن ايلجك التركي محمد بن الحسن، وللفيومي جاد الله شرح وضعه سنة 1101هـ/1689م، ولابن زاكور محمد بن قاسم المُتوفى سنة 1120هـ 1708م له شرح طريف اسماه "تفريج الكرب عن قلوب أهل الأرب في معرفة لامية العرب". كذلك نال شعر الشنفرى ولاميته في القرن التاسع عشر والعشرين اهتمام المستشرقين واعجابهم، وكان من اقدم هؤلاء؛ الفرنسي دي ساسي، والانجليزي ردهاوس، والايطالي جابريل، والالماني يعقوب وغيرهم.

نذكر بعض من ابيات اللامية مع بيان شرح مختصر بالتالي؛
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
فإني إلى قوم سواكـم لأميلُ
فقد حُمّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ 
وشُدّتْ لِطِيّاتٍ مطايا وأرحلُ
وفي الأَرْضِ مَنْأَى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى 
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ

في هذه الابيات يُبلغ الشنفري أنه راحل عن أهله قبل رحيلهم عنه، إذ هو لا يميل لهم ولا يرتاح للعيش بينهم. وأن رحيله قد حان ولا رجعة عن قراره، وان الارض واسعة وتصلح للعيش بكرامه وراحة بال.
ثم يقول؛
لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِىءٍ 
سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ
وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون؛ سِيدٌ عَمَلَّسٌ 
وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ
هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ 
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ
وهنا الشاعر يؤكد ما اكثر الأماكن التي تُناسب المرء، ولا دواعي للذل والأهانه. وهو بهذا يعاتب أهله سوء تعاملهم معه، ويصف الذئاب والضباع مقارنا أن فيهم خير، إذ لا يفشون الأسرار ولا يخذلون من يتكأ عليهم. ويتابع الشاعر قصيدته مظهرا ميله، وإشباع نفسه مستغنيا عن قومه، مفتخر بخصاله والتي منها ذكر اسلحته كقوسه وسهمه قائلا؛
إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها 
مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ 
والمعنى انه يصف قوسه إذ انطلق السهم منها تصدر أصواتا تئن وتحنّ، كأنّها امرأة فجعت بولدها، وفيه تشبيه فني تداخل فيه صوت مفعم بالحركة.

ويستمر الشنفري قائلا؛
وَلَستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دونَ خَيرِهِ أَلَفَّ 
إِذا ما رُعتَهُ اِهتاجَ أَعزَلُ 
ومقصده في هذا البيت نفي سوء الصفات عنه، بما فيها اكثار التغزل وملازمة النساء، كحال القراد لا يُعرف له خير من شر، وهو أعزل أهوج متسرع سهل اثارته، كالثور يثير ضجة لا طائل ورائها.
ثم ينتقل؛
وَلَستُ بِمِحيارِ الظَلامِ إِذا اِنتَحَت 
هُدى الهَوجِل العِسّيفِ يَهماءُ هَوجَلُ يكتمل هنا في معنى البيت افتخار الشنفري بنفسه بانه لا يتوه في معرفة طريقه في الفلاة المظلمه وتضمه ظلمات الصحراء ليهلك. وهكذا يكون حال الرجل القوي اذا اعترضته المخاطر، لانه عارف بالصحراء التي صقلته وميّزته. تتلمس في هذا تحدر لفظي للشاعر حيث طلى معنى الحمق بالفاظ تنوعت، وتشبيه تكتنفه صورة تتحرك في المجاز.

ختاما 
لامية العرب من عيون الشعر، وفي كل بيت فيها غرز لمكارم الأخلاق التي تفتح الاشداق، وسياق اتسم بمباني لفظ فصيح، له تراكيب وصف بمعاني زهو وخيلاء، تدور في أعماق الشاعر معبرة لحقبة زمن قبل الاسلام.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية