العدد 5895
الأربعاء 04 ديسمبر 2024
banner
تسمية الخليج العربي... ومنصات التواصل
الخميس 12 يناير 2023

هنالك تدوال في بعض منصات التواصل الاجتماعي في تسمية الخليج العربي فيها كتابات مقتضبة وردود، وتناولت بعضها خرائط مأخوذة من الشبكة العنكبوتيه للتدليل على تسميته الخليج بالعربي ردا على مغالطات شعوبية. ولعلنا نضيف قيمة تاريخيه لخصوص الأسم بهذا التمهيد.

الفُرْس تاريخيا لم يتوطنوا شرق الخليج الا في العهود الاخيرة، حينما فقد العرب استقلالهم بفعل عداء الفُرْس وتواطئهم مع المؤامرات الدوليه، ومعروف تاريخيا ان الفُرْس لم يركبوا البحر حتى في أوج عظمتهم، واذا ما أنشأوا في الخليج أسطولا كان بحارته من غير الفُرْس. ويرجع سبب ذلك أن الساحل الشرقي للخليج العربي، وهو الذي يتبع ايران حاليا، يمتد على طوله نحو ألفي كيلومتر سلسلة جبال زاغروس، وهي عاليه وعرة المنافذ مما عزل سكان فارس والسلطة المركزية فيها عن حياة البحر، وهذا الفاصل الجغرافي بين الفُرْس والبحر شكل هذا البعد النفساني لعدم البروع فيه. بينما العرب منذ القدم لهم أوثق الصلات بالسفن والخليج، ولا بد من ذكر ان الأكاسرة وإمبراطوريتهم الساسانية ما قبل الاسلام، أخضعوا بعض أطراف الخليج لنفوذهم ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على العرب. حيث بقي الحكم لابناء العرب وكانت هيمنة الفرس أسمية.

ذكر هيردوتس المؤرخ الإغريقي الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد عن الامبراطور الفارسي داريوس ما نصه؛ "ولقد اعترف بسلطانه جميع اقوام آسيا الذين كان قد ذللهم كورش ثم قمبيز، إلا العرب فهؤلاء لم يخضعوا البته لسلطان فارس انما كانوا احلافها"

تعددت الاسماء للخليج رغم تجذر عروبته، حيث اطلق عليه الاكديون كما في نقوشهم البحر الأدنى او ألمر Lower or Bitter Sea ويقابله فيها البحر الأعلى Upper Sea وهو البحر الأبيض المتوسط. أما الاسكندر الاكبر الطامح للقب ملك العالم هو أول من أسماه الخليج الفارسي، وهذه التسميه حدثت حينما ارسل الاسكندر أسطوله بقيادة نياركوس الى المحيط الهندي ليكتشف آفاق جغرافية منابع الشمس، وتعد تلك مغامرة بحرية علمية في القرن الرابع قبل الميلاد. نياركوس في طريق عودته من الهند متجها الى العراق عبر الخليج ليسبر غور مياهه ولتقصي مصب الفرات، بعدها تبع بأسطوله مجرى نهر قارون، ليحط رحاله عند مدينة سوسة عاصمة دولة العيلاميون التي استحلها الأخمينيون الفُرْس، حيث كان الاسكندر في أنتظاره، وهكذا لم يتعرف الاميرال نياركوس في رحلته الا على الساحل الشرقي للخليج، جهة بلاد فارس وظل الساحل العربي مجهولا عنده، فأطلق الاسكندر عليه التباسا الخليج الفارسي، وبقي متداولا بعده، خصوصا عند بعض المستشرقين ودولهم، ومن تابعهم من العرب المقلدين. اما العثمانيون فسموه خليج البصره، وكذلك أسموه غيرهم خليج القطيف.

المؤرخ الروماني بليني Pliny المُتوفي عام 113م يسمي الخليج باسمه الخليج العربي ذكر ذلك السير ارنولد ويلسون في كتابه الخليج الفارسي.

ومعلوم ان الخليج العربي شطران غربي وشرقي، فالغربي منه جزء من ارض الجزيرة العربية حيث يطلق العرب على الشاطئ الممتد من البصرة الى عُمان بالخط، وهو يضاف احيانا فيُسمى خط عبد القيس القبيلة النزارية العدنانية التي كان حاكمه الاحساء آنذاك، ويشمل هذا الخط اليوم الإمارات والكويت وقطر والأحساء ومناطق الشرقية في المملكة العربية السعودية، وكذلك الجزر كالبحرين التي كانت تسمى أوال. 

اما الشطر الشرقي للخليج، وهو الآن فارسي التبعية فقد ذكر عنه الرحاله الدنماركي نيبور في كتابه "رحلات في الجزيرة العربية وبلدان اخرى في الشرق" الذي نشره عام 1772م؛  لكنني لا استطيع ان امر بصمت مماثل بالمستعمرات الاكثر أهمية، والتي رغم كونها منشأة خارج حدود الجزيرة العربية، هي اقرب اليها أعني العرب القاطنين الساحل الجنوبي من بلاد فارس ... الى ان قال؛ ومن المضحك ان يصور جغرافيونا جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك فارس، في حين ان هؤلاء الملوك لم يتمكنوا قط من ان يكونوا اسياد ساحل البحر بلادهم الخاصة، لكنهم تحملوا صابرين على مضض ان يبقى هذا الساحل ملكا للعرب، بل زاد نيبور في نفس الكتاب ان العرب يمتلكون جميع السواحل البحرية للإمبراطورية الفارسية من مصب الفرات الى مصب الاندوس".

الخليج العربي الجدل على مسماه فيه تدليس، وتجاوز لواقع العصور، وتوطن العرب على ساحليه قبل ان تعرفه القبائل الآرية(الفارسية) الرحّل التي نزحت من آسيا الوسطى، وشمال بحر قزوين الألفية الثانيه قبل الميلاد الى الجنوب الغربي لايران، وما يسمى الآن محافظة فارس، بل الخليج العربي في نظر التاريخ وهو معلوم لدى المختصصين بالسلالات البشرية ونشؤها، ان جزيرة العرب هي موطن للعرب سابق بكثير لأزمنه قدوم الاعراق الآرية التي اخذت الجوار لاحقا لجزيرة العرب. ولهذا ما هو متداول من قبل الفُرْس ومن توجه مثلهم هو محظ جدل لا برهان له، وتسمية الخليج بالفارسي وإن تم الاصرار على تداوله هو تواكب طموح، ورغبة عملقة طالما سعوا اليها واعتقدوا استحقاقها الهش الى يومنا هذا.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .