+A
A-

الفنان والمعيشة.. بين الطموحات المعلقة والواقع

وراء كواليس اللوحة نرى الطموحات المعلقة على شرفات الفنانين في البحرين، وذلك في طريق غاب عنه صدى صوت بعض التشريعات التي تضمن حقوق الفنان التشكيلي البحريني، إضافة للمبادرات المجتمعية التي تشجعه على الاستمرار.  وبين المشهد الفني العام وسوق الفن المحلي، والضمانات المادية والاجتماعية المرجوة؛ التقت البلاد بمجموعة فنانين وبمديرة الثقافة والفنون بهيئة البحرين للثقافة والآثار السيدة فرح مطر، للوقوف عند الصورة الواقعية لهذا المشهد الذي يؤثثه الإبداع والشغف رغم الصعوبات.

سوق الفن البحريني وسياسة الاقتناء

يشير الفنان نادر العباسي إلى أن الوجود الفعلي لمصطلح سوق الفن في البحرين مفقود، وذلك من منطلق معنى السوق كتجارة وكدخل وأرباح ومعيشة واستثمار، وبعيدًا عن معنى الفن العام وأدواره كرسالة أو كمتعة أو ثقافة.

ويضيف العباسي موضحًا أن أي سوق يحتاج المنتج والمسوق والتشريع والقنوات، وهذه العناصر في البحرين متشعبة وعشوائية، فمعايير عمليات البيع الشراء أغلبها تدور حول المجاملة بين الأشخاص أو المزادات المقامة لأهداف مجتمعية أو تبرع من الفنان لجهات معينة، أما ثقافة الاستثمار في اللوحة فهي ضعيفة وتكاد تكون نادرة في مجتمعنا، فببساطة العمل الفني بات يُشترى أما للزينة أو للعلاقات الاجتماعية.

وحول سياسة الاقتناء يتساءل الفنان زهير السعيد “هل توجد لدى المؤسسات والوزارات أو الهيئات الرسمية سياسة اقتناء للأعمال الفنية؟ مشيرًا إلى أن سياسة تشجيع الفنانين واقتناء لوحاتهم في البحرين شبه غائبة وهي تعتمد على جهود فردية من أشخاص محدودين جدًا وفي حال عدم وجودهم ستصاب الحركة الفنية بالشلل وأهم هؤلاء الداعمين هو الشيخ راشد آل خليفة”.

ويضيف السعيد: “نحن محتاجون للدعم المستمر لكي نواصل في إنتاج الأعمال، فأنا لديّ فائض من اللوحات وأعاني بصمت في محاربة صعوبة هذا الطريق وقلة الدعم والضمانات، ومن المؤسف أن نصل إلى العام 2020 ولا يوجد إدراك لحجم وأهمية الفنانين وإنتاجهم، فأغلب عروض الاقتناء يتم فيها مساومة الفنان لشراء أعماله أو يطلبونها للتبرع، ونحن لا نمانع فكرة التبرع ذاتها بقدر أن مع قلة الدعم واعتماد الفنان على اللوحة كمصدر دخل يكون من الصعب أن تذهب أغلب إنتاجاته للتبرعات أو المزادات الخيرية”.

ومن جانبه يرى الفنان علي ميرزا أن المجتمع ينظر لعملية اقتناء الفن كشيء كمالي وليس أداة للاستثمار، خصوصًا في ظل التدهور الاقتصادي وغلاء المعيشة، وأضاف ميرزا أن الإشكالية الحقيقية هي في النظرة المجتمعية العامة للفنان والتي غالبًا ما تتمثل في أن الفن وسيلة تسلية وهواية وليس مصدر دخل أو عملا حقيقيا.

وفي ذات السياق أشاد الفنانان نادر العباسي وزهير السعيد بتجارب المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة في دعم الفنان وفي وضع سياسات اقتناء متميزة، مؤكدين على حاجة الفنان البحريني لمثل هذا النوع من المبادرات.

الضمانات المادية والتشريعات الغائبة

وعن الضمانات المادية وحزم الدعم التي قدمتها الدولة خلال جائحة كورونا قال زهير السعيد “لم يتم دعم الفنانين، على الرغم من أنهم من المتضررين جراء هذه الأزمة، والسبب أنه لا يوجد تأمين اجتماعي للفنان، ولكن المشكلة الأساسية تتمحور في سؤال من هو الفنان؟ وما هي المعايير التي تحدد كونه فنان أم لا؟ ليتم دعمه!”

وفي ذات السياق يشير علي ميرزا إلى أن الفنان يعتبر هو المنسي خلال هذه الأزمة فلم يحصل على أي دعم مادي أو معنوي متمنيًا أن يكون هناك تسهيلات وحلول في طريقة دفع التأمين”. وأضاف ميرزا أن وجود نقابة للفنانين سيساهم في تنظيم العمليات في البيئة الفنية مما سيساعد على حفظ حقوق الجميع.

فيما يبين نادر العباسي أن الفنان من الممكن أن يحصل على دعم من صندوق العمل “تمكين” في حال قيامه بعمل سجل تجاري وهذا أحد المخارج لضمان حقوقه، وفي حال عدم فتحه لسجل فسيبقى يبحث عن الشكل الرسمي القانوني له ويطالب به.

ويضيف العباسي: “بعيدًا عن أزمة كورونا وعن هذه الفترة الاقتصادية الصعبة، فأنا لست مع فكرة الدعم المادي المباشر والمعونة الاجتماعية المالية المخصصة للفنان، فهذا يحول الفنانين “لمتسولين” أكثر من حرفيين هذا هو عملهم، ولكن نحن مع توفير التسهيلات التي تضمن مسيرة واستمرارية عمل هذا الفنان.  وحول الدور الذي لعبته هيئة البحرين للثقافة والآثار لدعم الفنان البحريني أثناء جائحة كورونا صرحت السيدة فرح مطر أن الهيئة ركزت خلال الفترة الماضية على استدامة العمل الثقافي عبر مجموعة كبيرة من الأنشطة من ضمنها معرضين افتراضيين الأول بعنوان “من وحي الثقافة” والآخر “من المحرّق نستوحي”، وشارك الفنانون بأعمالهم المختلفة وصورهم الفوتوغرافية لتشكيل المعرضين، وتم تدشينهما على موقع الهيئة مؤخراً.

دور الفنان والحلقة المفقودة

يوجد حلقة ناقصة بين المهتم باقتناء الأعمال وبين الفنان، فمن يسوق لأعماله؟ هكذا بدأ علي ميرزا حديثه حول أهمية وجود دار العرض “الجاليري” الذي يتبنى الفنان وإنتاجاته، مشيرًا إلى أن عدد دور العرض في البحرين محدود، ولذا على الفنان أن يسعى ويقوم بملء فراغ هذه الحلقة بنفسه عن طريق تفعيل التسويق بمختلف أنواعه وتوظيف وسائل التواصل الحديثة لترويج أعماله.

ويضيف ميرزا “قبل أن نلقي اللوم على أي جهة يجب أن نرى مدى نشاط وحركة الفنان في اتجاه صقل نفسه وتجربته، فعلى الفنان المبادرة في محاولة خلق فرص لذاته عبر التواصل المستمر وبناء العلاقات، فالمبادرات الفردية يجب أن تكون موجودة والحركة الأهم في البيئة الفنية هي حركة الفنان، فعليه أن يكون جادا في مشروعه ويحاول مواكبة جميع المتغيرات والظروف.

كما يشير العباسي إلى أن عملية الإدارة والتسويق للإنتاجات الفنية تسكن بين الدعم التشريعي وجهود الفنان و”الجاليري”، فمن الممكن أن يكون “للجاليري” علاقات ممتازة تساهم في زيادة عملية البيع ولكن هناك دور كبير على الفنان في تسويق أعماله عبر امتلاكه لإنتاج فني متميز وظهور إعلامي مستمر وحضور في مختلف الفعاليات الاجتماعية والثقافية مما يسانده في توسيع علاقاته وينعكس على بيع أعماله.

ويضيف العباسي: “أن الفنان اليوم بإمكانه الاختيار بين أن يكون محترفا أو هاويا، فمازالت طريقة تسويق بعض الفنانين لأنفسهم ضعيفة ومنهج رجل الأعمال مازال غائبا في تجارب الكثير، وكذلك إلى اليوم نفتقد المواقع الرسمية الاحترافية الخاصة بالفنان والتي تعبر عنه وعن اشتغاله بشكل احترافي”.

دور المؤسسات الحكومية والخاصة

ترى السيدة فرح مطر “أن الحركة الفنية في مملكة البحرين يمكنها تحقيق المزيد من النجاحات على المستوى المحلي والدولي عبر تطوير وسائل مكافحة العوائق التي تعترض مسارها في بعض الأحيان، حيث يجب العمل على رفع الوعي بأهميتها كونها جزءا من حضارة وهوية المجتمعات. ومما يمكن أن يرتقي بها ويزيل العوائق، توفير المزيد من الدعم والاهتمام من قبل الجهات العامة والخاصة لتعزيز البنية التحتية الثقافية الفنية.” كما أكدت مطر أن الهيئة تتطلع إلى زيادة الموارد المخصصة لدعم الفنان البحريني عبر عقد شراكات مع مختلف الجهات العامة والخاصة.

ويقول زهير السعيد “نأمل أن ترفع المؤسسات والهيئات المعنية توصيات للجهات التشريعية من شأنها حفظ حقوق الفنان، مضيفًا أنه يجب على الجهات المسؤولة أن تؤسس لبيئة فنية ثقافية بشكل أوسع من الفعاليات و المعارض الفنية، وذلك عبر إنشاء صالات العرض والمتاحف الفنية وتشجيع الاستثمار في الفن واستقطاب رؤوس الأموال لدعم الفنان.

ومن جانبه، صرح العباسي أن الجزء التشريعي غائب والدعم الحكومي محدود حيث مازال لا يوجد أي قنوات أو مبادرات جديدة تشكل مصدر دعم ودخل للفنان.

وأشار العباسي إلى أنه يجب على كل مؤسسة حكومية أو هيئة أو شركات كبرى أن تضع دعم الإبداع بكافة أشكاله ضمن رؤيتها ورسالتها فالمسؤوليات موزعة على كل الجميع ولا تقتصر فقط على هيئة البحرين للثقافة والآثار، مؤكدًا أن الهيئة تقوم بدورها من ورش ومعارض وتقدم كمية برامج متنوعة، وتساهم في نشر الثقافة بكل صورها دون انحياز.

وأضاف العباسي: “أرى أن الشيخة مي آل خليفة تحمل سياسة رائعة في البحث عن مصادر تمويل للمشاريع وهذا المنهج الذي نبحث عنه والذي من الممكن أن تستمر به الثقافة”.

وفي ذات السياق صرحت فرح مطر أن الهيئة تعمل بشكل متواصل على تقديم الدعم المادي والمعنوي للفنان البحريني في مختلف المشاركات الثقافية المقامة خارج مملكة البحرين، إضافة للاهتمام والرعاية بالجمعيات والأندية الثقافية بالمملكة، ومتابعة الإشراف على سير عملها وفق القوانين والأنظمة المعمول بها في مملكة البحرين، كما تمنح الهيئة الدعم والتسهيلات اللازمة للارتقاء بالحركة الفنية التشكيلية من خلال توفير مساحات العرض اللازمة لإقامة المعارض الفنية، وتوفير فرص التدريب والسفر للفنانين البحرينيين عبر المشاركات الخارجية، وكذلك منح مسمى “فنان متفرغ” للفنان البحريني لتمكينه من تركيز جهوده في المجال الفني.

توصيات مرجوة

يقول علي ميرزا “أن وجود الورش والندوات بشكل مستمر في تجربة الفنان يساهم في إثراء خبراته وتطوير أعماله، إضافة للإقامات الفنية التي من الصعب على الفنان الحصول عليها دون دعم أو ترشيح من الجهات الرسمية أو المؤسسات الثقافية أو المهتمة بالفنون”.

وأشار ميرزا إلى أن الانطلاق في هذا الفضاء الواسع يحتاج لفرصة وتهيئة وهذا ما يبين أهمية وجود معرض شبابي يحتضن الأعمال الشبابية ويؤهلهم للمشاركة في المعارض الكبرى محليًا وعالميًا.

فيما بين السعيد “أن في ظل هذا السوق المتقلب نحن بحاجة إلى وجود مراسم ومخازن تحتضن أعمالنا ولو كان ذلك بأجارات رمزية، كما نطمح لوجود صالات عرض تنافس الدول المجاورة”

وحول الحلول التي من شأنها توسيع نطاق دخل الفنان، أوضح العباسي أن مفهوم الدعم لا يقتصر على تخصيص ميزانية معينة للفنون وإنما يذهب نحو ابتكار طرق لتوفير هذه الميزانية عبر النظر لتجارب الدول الآخرى والأستفادة منها. فمن الممكن تقليل قيمة الضرائب على الجهات التي تقتني أعمال فنانين أو تقديم أي نوع من الدعم لهم، أو تخصيص نسبة بسيطة من ميزانية المشاريع السياحية والصناعية وشبكات المواصلات وغيرها لدعم الفن وإبرازه و لتجميل هذه المشاريع، أو الاستفادة من ضريبة القيمة المضافة لعمل مشاريع مستدامة فنية.

كما أشار السعيد والعباسي إلى أهمية وضع زيارة المراسم الفنية كجزء من البرامج السياحية التي تروج لها هيئة البحرين للسياحة والمعارض وذلك لأن الفن يشكل جزءا من الهوية الثقافية المهمة لهذا البلد.

وأضاف السعيد أن وجود مجمع يضم جميع الفنانين سيساهم في جذب السواح، وزيادة فرص البيع، وسيسهل على المستثمرين التنقل بين مختلف أنواع الفنون في مكان واحد.