+A
A-

الذكرى 19 لـ “الميثاق”... شجاعة قائد ونهضة وطن

تحتفل مملكة البحرين يوم 14 فبراير بالذكرى التاسعة عشرة لإصدار ميثاق العمل الوطني، الذي مثل بداية انطلاق مشروع وطني كبير خطه قائد عظيم آل على نفسه النهوض بوطنه على مختلف الصعد.

وكانت الخطوة المباركة المتمثلة في طرح مشروع إصلاحي وصف من قبل المراقبين بأنه تحول غير مسبوق في تاريخ البحرين، نجح من خلاله خلال فترة لا تتعدى العقدين من الزمن في أن يجعل من مملكة البحرين نموذجًا عالميًا للتحول الديمقراطي والانفتاح الاقتصادي والتعايش والتسامح الاجتماعي والعدالة والتنمية وحرية الإعلام والتعبير وتقدم المرأة والمجتمع المدني النشط.

بدأت الملحمة التي سيسجلها التاريخ بحروف من نور مع تولي عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة الحكم العام 1999 وبين يديه بشارات خير تبدت في مشروع إصلاحي عظيم بمبادرة ذاتية تاريخية رائدة، ورؤية وطنية استشرافية لمستقبل البحرين فاقت كل التوقعات، وصاغت معالم فجر جديد في تاريخ البحرين نقلها إلى آفاق عصرية غير مسبوقة في كل المجالات.

وكان تدشين ميثاق العمل الوطني، البداية الحقيقية للانطلاقة الكبرى، لتحقيق المسيرة التنموية الشاملة، إذ توافرت الإرادة السامية للانتقال - مع مطلع الألفية الثالثة - إلى دولة عصرية بمبادرات وطنية تاريخية غيرت وجه الحياة على أرض البحرين، وأعادت صياغة الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي على نحو جعل من المملكة رائدة في ميدان الإصلاح السياسي خليجيا وعربيا وإقليميا، وهو أمر يحسب لفكر قائد تاريخي آمن بمستقبل زاهر لشعبه ووطنه وفكر خارج الصندوق بطريقة غير اعتيادية وابتكارية لإعادة صياغة مستقبل البحرين وفق طموحات مشروعة وآمال عريضة وروح وطنية صادقة ومخلصة هدفها بناء مستقبل مزدهر وغد مشرق لكل أبناء الوطن.

ويقدم ميثاق العمل الوطني إطارًا عامًا للمسيرة التنموية الشاملة، إذ يتضمن “فلسفة الإصلاح” محددًا أهم مبادئ وأسس وغايات المشروع التنموي الشامل لجلالة الملك، والتي تتناول المقدمات الأساسية للمجتمع البحريني، وأهداف الحكم وأساسه، والحريات والحقوق الأساسية للمواطن البحريني، والأسس التي تقوم عليها الأسرة والمجتمع وتنظيمات المجتمع المدني، والتعليم والثقافة والعلوم، وتأكيد العمل كحق وكواجب للمواطن البحريني.

وعبر الميثاق بكل صدق عما اتسمت به المسيرة التنموية الشاملة لجلالة الملك، إذ أكد الميثاق الهوية الحضارية والثقافية للبحرين والاعتزاز بالانتماء إلى العروبة والإسلام وإلى مجلس التعاون الخليجي، وكرس القيم الحضارية التي ميزت عبر التاريخ حضارة البحرين كبلد للتسامح الديني والمذهبي والثقافي والانفتاح على العالم، في إطار من الحفاظ على روح الأسرة البحرينية الواحدة التي هي عماد الوحدة الوطنية التي تشكل القاعدة الصلبة لحماية أمن البلاد واستقرارها، وانطلاقها نحو التطور والتحديث ومواكبة الحضارة العالمية المعاصرة.

وكان لافتًا للانتباه النهج الديمقراطي الذي اختاره جلالة الملك لصياغة الميثاق، وهو الإصرار على تحقيق أكبر قدر من المشاركة الشعبية في صياغة الميثاق؛ ليأتي معبرا عن إرادة الشعب وعن تطلعات الجماهير التي عبرت عنها نخبة مختارة من صفوة العقول والخبراء في المجتمع البحريني ممثلة في كل القطاعات والفئات والمكونات الاجتماعية في مجتمع البحرين.

وأسهم ذلك المناخ الديمقراطي الحر في إطلاق العنان لأجواء من التفاؤل عمت جموع الشعب البحريني بآفاق المستقبل الواعد الذي بشر به جلالة الملك وعبر عنه في أكثر من مناسبة بقوله “إن أجمل الأيام تلك التي لم نعشها بعد”، وهو المعنى ذاته الذي عبر عنه جلالته بكل صدق حين تسلم من لجنة صياغة الميثاق الوطني الصياغة النهائية للميثاق بعد إجراء كل التعديلات اللازمة عليه استجابة للآراء الشعبية بشأنه، إذ قال جلالة الملك كلماته التاريخية المعبرة في تلك اللحظة والمناسبة التاريخية “سنبقى معكم يدا بيد على امتداد المسيرة، وهذه يدي ممدودة إلى كل بحريني وبحرينية”.

وأسهمت الأجواء الإيجابية التي رافقت عملية صياغة ميثاق العمل الوطني في إحداث تجاوب جماهيري واسع النطاق، عبر عن نفسه حين تم طرح الميثاق للاستفتاء الشعبي العام للتصويت عليه في ظل أجواء ديمقراطية تاريخية غير مسبوقة، فقد كانت نسبة الإقبال الشعبي على المشاركة في التصويت نسبة غير مسبوقة في تاريخ أعرق المجتمعات الديمقراطية، إذ بلغت نسبة المشاركة في التصويت على الميثاق 90.3 % من جموع الناخبين الذين يحق لهم التصويت وهي نسبة ضخمة، وجاءت نسبة الموافقة على الميثاق الوطني تماثل الإجماع تقريبا، إذ حظي بموافقة 98.4 % من الشعب. إن هذا الإقبال الشعبي الكبير يؤكد حقيقة ما تضمنه الميثاق من مكتسبات وطنية كبرى فتحت الباب لإقامة نظام حكم دستوري حديث كان الأساس لإعلان البحرين مملكة دستورية عصرية، وتطوير النظام القضائي بتشكيل محكمة دستورية عليا، وإنشاء مجلس القضاء الأعلى، وتكريس مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، وإرساء الأساس لإقامة نظام برلماني ديمقراطي قائم على أساس نظام المجلسين، ومنح الحقوق السياسية للمرأة البحرينية، في نقلة نوعية تعزيزا لدورها المحوري في المسيرة التنموية الشاملة، الأمر الذي أهلها إلى دخول البرلمان وتوجت نضالها الوطني في انتخابات 2018 إذ تم انتخاب 6 عضوات، ونالت شرف ترؤس مجلس النواب.

وأرسى الميثاق الوطني احترام المملكة لحقوق الإنسان، وشكل قاعدة صلبة لحماية الحريات العامة والشخصية سواء حرية العقيدة أو حرية التعبير والنشر وضمان المساواة وعدم التمييز وتحقيق مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص وتكريس الاحترام لكل حقوق المواطنين، الأمر الذي أدى إلى أن تحظى البحرين باحترام عالمي واسع في نطاق العمل بمبادئ حقوق الإنسان أهلها لانتخابها مرتين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وأرسى الميثاق الوطني المبادئ والأسس لإطلاق روح الحيوية في عموم المجتمع البحريني، من خلال كفالة حق التنظيم السياسي والاجتماعي والنقابي، الأمر الذي أدى إلى فتح الباب لإنشاء الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني التي تشكل القطاعات الحيوية في المجتمع، فضلا عن إنشاء النقابات والاتحادات العمالية، وأصبح المجال مفتوحا أمام الجميع للتعبير عن رؤاه ومطالبه السياسية والاجتماعية والنقابية في إطار يكفله القانون ويحميه وينظمه. وأسهم الميثاق في النهضة الاقتصادية لمملكة البحرين، إذ تم تبني سياسات اقتصادية مشجعة تقوم على الانفتاح وتأسيس بنية تحتية قوية الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في جذب رؤوس الأموال من الخارج.

وشهدت المملكة تدشين رؤية البحرين الاقتصادية 2030، وخلق مشروعات اقتصادية استراتيجية ساهمت بشكل مباشر في نهوض اقتصاد المملكة، وأصبح العالم ينظر إلى مملكة البحرين؛ باعتبارها وجهة استثمارية مثالية وآمنة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وأصبحت رقمًا صعبًا فيما يتعلق بالخارطة العالمية للاستثمار.

وكما أسهم الميثاق في هذه الطفرات في الداخل، إذ كان له مردود كبير في الخارج، وانتبه العالم لأهمية هذا العمل الوطني العظيم، وحظي بإشادة العالم في إجماع قل نظيره.

وبعد 19 عامًا على تدشينه تحققت مكتسبات عديدة للمواطن، وقدمت المملكة نموذجًا في التطور الديمقراطي والتحديث المستمر في إطار تكريس دولة القانون والمؤسسات، وانطلقت مسيرة تنموية شاملة، ونهضة مباركة في كل المجالات والقطاعات، وجعل الميثاق الوطني من مملكة البحرين دولة عصرية، ديمقراطية، متطورة تتمتع بكل معالم النهضة والحضارة والتقدم والرقي.