+A
A-

الاحتفال بمئوية التعليم ... مستقبل واعد لجيل مبـدع

يأتي احتفال مملكة البحرين يوم 11 يونيو 2019 بمرور 100 عام على بدء التعليم النظامي بالبلاد ليؤكد أن الاستثمار في رأس المال البشري مثل أولوية قصوى وذات ارتباط حيوي بالتنمية بمفهومها الشامل التي تتواصل في ظل مسيرة عطاء ورؤية تستلهم متطلبات الحاضر والمستقبل، مسيرة تنموية شاملة قادها بحنكة ومهارة عاهل البلاد صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة راعي حركة التحديث والتطوير.

وتحت قيادة عاهل البلاد حرصت الحكومة برئاسة رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة في تحقيق غالبية أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وفي القلب منها التعليم، الذي كان ومازال يمثل المقوم الرئيس في تطوير وزيادة مستوى النمو والاستقرار الاقتصادي وتحديث البيئة الاجتماعية للدولة.

ولقد حظي التعليم ضمن هذه المسيرة المباركة باهتمام واسع، إذ تضمنتها رؤية البحرين الاقتصادية 2030، وكان هذا القطاع ضمن أهم مفاصل مبادرات الإصلاح والتطوير إلى جانب الاقتصاد، فظل هذا القطاع الهاجس التنموي الكبير، وارتبط ارتباطا عضويا وتكامليا مع كل مبادرات الإصلاح التي شهدتها المرحلة الماضية وأطلقها ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة إنفاذا للإرادة الملكية السامية.

تجربة وطنية رائدة

وينظر للتجربة البحرينية في مجال التعليم بعين من الإكبار والتقدير، ليس فقط لأنها ضمنت لجميع الأبناء والبنات التمتع بشكل متساو بمستوى تعليمي جيد مجاني وإلزامي في مراحل التعليم الأساسي المختلفة، ولكن لأنها أتاحت لهذه الفئات وغيرها كالضعيفة والمهمشة وذوي الاحتياجات الخاصة، فرصا متكافئة لتنمية مواهبهم واستثمار قدراتهم، وبما مكنها من اكتساب المهارات الضرورية، وتوسيع هامش الخيارات أمامهم، وامتلاك المقومات اللازمة؛ لشغل الوظائف اللائقة والارتقاء بإمكاناتهم.

يتضح ذلك بالنظر للتطور الملحوظ في المؤشرات الكمية والنوعية التي يحققها القطاع بالبلاد في ظل دعم عاهل البلاد اللامحدود لمسيرة التربية والتعليم، حيث يلاحظ وضع التعليم كأولوية في سياسات الحكومة، والالتزام بإجراءات محددة لتنفيذ هذه السياسات؛ بهدف توسيع هامش الاستفادة منه في عملية التنمية برمتها، وتشجيع القطاع الأهلي والخاص لتوجيه موارده للاستثمار في هذا القطاع الحيوي.

تطور كمي ونوعي

ويمكن قراءة هذه السياسات بالإشارة لزيادة الملتحقين (ذكورا وإناثا) بمرحلتي الحضانة والروضة العام 2017 ـ 2018 الذين بلغوا 38801 طفل مقارنة بـ 36980 العام 2015 ـ 2016، وكذلك طلاب المرحلة الابتدائية الذين بلغوا 113031 طالبا في المدارس الحكومية والخاصة مقارنة بـ 111383 طالبا، وهو الأمر ذاته لطلاب المرحلة الإعدادية الذين زادوا لـ 51903 بعد أن كانوا 48618 طالبا، وكذلك طلاب المرحلة الثانوية (العام والفني) الذين زادوا لـ 42653 بعد أن كانوا 42368 طالبا في سنوات المقارنة نفسها.

ترافق مع ذلك زيادة في عدد المنشآت التعليمية الابتدائية منها والإعدادية والثانوية والمعاهد الدينية، حيث زادت المدارس الحكومية من 208 مدارس العام 2015 - 2016 إلى 212 مدرسة العام 2017 - 2018، وكذلك زادت مؤسسات التعليم غير الحكومي من 248 مؤسسة إلى 265 مؤسسة العام 2017 - 2018، وضمت الأولى ما مجموعه 14139 من أعضاء الهيئة التعليمية، بينما ضمت الثانية 8088 عضوا العام 2017 - 2018 بعد أن كانت 14292 و7462 العام 2015 - 2016 على التوالي.

ووصل عدد الطلبة في برامج التعليم المستمر المخصص للفئات الراغبة في تعويض ما فاتهم إلى 4417 طالبا العام 2017 - 2018، في حين بلغ عدد الطلبة في برامج التعليم بعد الثانوي دون التعليم العالي والموجه للفئات الراغبة في تطوير مساراتهم المهنية وخبراتهم العلمية في العام نفسه 14921 طالبا. أما طلاب التعليم العالي الجامعي فما فوق، فيربو عن 42 ألف طالب وطالبة وفق بعض التقارير مع وجود نحو 14 مؤسسة تعليم عال حكومية وخاصة تتقدمهم جامعة البحرين.

وقد ضمن كل ذلك للبحرين وضعا متميزا على صعيد خفض نسب التسرب من التعليم التي بلغت 0.04 %، وكذلك خفض نسبة الأمية لدى الكبار لتبلغ 2.46 %، ناهيك عن السمعة الدولية التي حققتها بسبب المنجزات في قطاع التعليم، كجائزة اليونسكو- الملك حمد لاستخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصال في التعليم وجائزة الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة للتنمية المستدامة.

تعليم جيد حياة جيدة

وبحسب مقاصد وأهداف المؤشر الرابع من مؤشرات الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فإن التعليم الجيد في البحرين لم يضمن لأهلها فحسب كسر دائرة انعدام المساواة بين الأفراد عموما والجنسين بشكل خاص، ومن ثم الخروج من ربقة التهميش والفقر، وإنما مكن الناس بمختلف فئاتهم وشرائحهم من تحسين مستوى معيشتهم، وتحقيق حياة أفضل لهم ولأبنائهم، ناهيك عن تعزيز آليات التعايش والتسامح فيما بينهم، ودعم وتوسيع أطر الأمن والطمأنينة والسلامة والاستقرار فيما بينهم.

تجلى ذلك واضحا بالنظر إلى التقرير الطوعي الأول الذي قدمته البحرين خلال أعمال المنتدى السياسي رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة الذي عقد تحت رعاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة في نيويورك في يوليو 2018 الفائت، وتم الربط فيه صراحة بين نجاحات وإنجازات المملكة على صعيد تنفيذ أهداف الأمم المتحدة الإنمائية للألفية، وكذلك أهداف التنمية المستدامة 2030، وحجم المكتسبات التي وفرها التعليم الجيد بالبحرين لكل المواطنين والمقيمين على السواء.

شهادة تقدير وإكبار

يشار إلى أن البحرين نالت إعجاب وتقدير المجتمع الدولي بعد أن نجحت في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية قبل حلول موعدها في العام 2015، كما أنها استطاعت نيل شهادة كبريات المؤسسات الدولية عند استعراض تقريرها الطوعي الخاص بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة الـ 17، والتي يتعين على دول العالم تحقيقها بحلول العام 2030، وتضمنت فيما تضمنت توفير سبل العيش الكريم لأهل هذه البلدة الطيبة باعتبارها مقوما رئيسا لمجتمع الأمن والرخاء الذي تنعم به المملكة.

وتبرز هنا جملة من المؤشرات المهمة التي احتفى بها المجتمع الدولي، ويحق للبحرين أن تفخر بها، منها: نجاحها وبنسبة 78 % في إدماج ومواءمة أهداف التنمية المستدامة في برنامج عمل الحكومة 2015-2018، مجانية وإلزامية التعليم الأساسي وبنسبة التحاق بلغت للمرحلتين الأساسية والثانوية 100% و86.4% على التوالي قاضية بذلك على الأمية فيما تبلغ نسبة الالتحاق في رياض الأطفال 82 %، ورفع متوسط دخل الأسرة بنسبة 47 % خلال السنوات الـ 10 الماضية وعبر شبكات حماية اجتماعية غطت 8 % من الأسر، بجانب ارتفاع العمر المتوقع عند الولادة إلى نحو 77 عاما نتيجة توفر الخدمات الصحية المقدمة، وتمكن نحو 65 % من المواطنين من استملاك منازلهم من خلال البرامج والخدمات الإسكانية العامة في العقود الاربعة الماضية، وتواجد المرأة البحرينية في 55 % من المواقع الإشرافية، وبمشاركة تبلغ 53 % في القطاع الحكومي و33 % في القطاع الخاص، وانخفاض معدلات البطالة إلى ما دون 4 % في السنوات الـ 10 الماضية، وذلك بحسب ما تقرير البحرين الطوعي المقدم.

مستقبل واعد ومشرق

في ضوء كل ذلك، من الطبيعي أن تثار توقعات وتقديرات مبشرة بشأن المستقبل الواعد للمواطنين والمقيمين فوق أرضها الطيبة بفضل مستويات التعليم الجيدة المقدمة، خصوصا بعد أن حصلت البحرين على المرتبة الرابعة بين دول الشرق الأوسط في مؤشر التعليم بحسب تقرير مجموعة بوسطن الاستشارية العام 2018، وحصول جامعة البحرين على المركز الأول محليا و213 عالميا على مقياس مؤسسة التايمز للتعليم العالي، والـ 25 عربيا بحسب التصنيف الصادر عن مركز تصنيف الجامعات العالمي.

يشار إلى جملة من المبادرات والمشروعات التطويرية المتميزة التي تستهدف مواكبة احتياجات المستقبل ومتطلبات النهضة والنمو التي تفرضها تطورات العصر، من قبيل: مبادرات استقطاب الكوادر الوطنية للعمل في حقل التدريس، والتوسع في برامج التعليم الإلكتروني والتمكين الرقمي، وتطبيق نظم الاعتماد الأكاديمي، وتخصيص نسبة من إيرادات مؤسسات التعليم العالي للبحث العلمي، وافتتاح فروع جديدة لمؤسسات تعليم عالي عالمية، وتطوير مؤسسات التعليم الوطنية سواء المتوسطة منها والعالية كمشروعات تحسين أداء المدارس، وتوفير مؤسسات التدريب، وإنشاء جامعة الهداية الخليفية، وغيرها.