+A
A-

“حفظ النعمة”

يعرف عن شهر رمضان أنه شهر الرحمة والرأفة، والبذل والعطاء، والإمساك عن الطعام والشراب وسائر الملذات البدنية والكماليات الروحية، طمعاً بالأجر المضاعف والغفران الموعود. لكن المتابع لاستقبال العالمين العربي والإسلامي لشهر التعفف والزهد، وما ينشغلان به على مدى أسابيعه الأربعة، سيلحظ مفارقات مؤلمة.

فبالرغم من سعي البعض إلى الاقتداء بالكرم الحاتمي الذي وصف به التاريخ أعلام الإسلام ورموزه، ينتهي المطاف بأطنان متراكمة من الطعام في مكبات القمامة، أو على قارعة الطريق، لينبشها الفقراء بحثاً عن شيء يسدون به رمقهم.

طبقا لإحصائيات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن العالم يهدر سنويا ثلث الأغذية التي ينتجها، أي قرابة 1.3 مليار طن. قد تجد هذا الحجم من الإسراف صادماً، لكن كيف سيكون رد فعلك إذا علمت - طبقا لتقارير هيئات رقابية في الخليج - أن أكثر من 1800 طن من المواد الغذائية في دبي، و400 طن في البحرين تهدر يومياً، في شهر التعاطف والتعاضد، والإحساس بمن هم أقل حظاً في الدنيا؟

لكن الأفق ليس قاتماً تماماً. ففي السنوات الأخيرة، ظهرت سلسلة مبادرات حكومية ومجتمعية في عدد من الدول العربية، تهدف للتوعية الصحية وترشيد الاستهلاك، والحض على اتباع أساليب غذائية أقل فتكاً بجسم الإنسان واستنزافاً عقيماً لموارده الطبيعة.

واختلفت صبغة المبادرات هذه. فبعضها ولد من رحم المجتمع، والبعض الآخر نزّل تنزيلاً إثر قرار حكومي رسمي. لكنها جميعها اشتركت بالهدف والغاية: وقف النزيف الغذائي والصحي والاقتصادي الحاد الذي تشكو منه مجتمعات عربية وإسلامية خلال شهر رمضان.

“حفظ النعمة” هو أحد البرامج الترشيدية الرائدة والناجحة في هذا الصدد، إذ يطبق في عدد من دول المنطقة، برعاية حكومية أحياناً ومجتمعية أحياناً أخر. ويبدو للمتابع أن ثقافة الاعتناء المتكامل بالفرد والمجتمع والطبيعة، بإعادة التدوير، وإعالة مستدامة للفقير، آخذة بالرواج والانتشار. فإطعام المساكين لم يعد حكراً على موائد الرحمن، ورص الأطباق المختلفة فوق بضعها البعض لم يعد دلالة على السخاء أو البحبوحة، بل تهمة تكاد تكون دامغة، على فوات فحوى رمضان صاحب المأدبة.