+A
A-

عن‭ ‬المادة‭ ‬334‭ ‬من‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البحريني

لاحظت أن كل القضايا التي تظهر على السطح في الكويت تنتقل حمتها خلال فترة وجيزة إلى البحرين؛ لسبب قد يعود إلى القرب الجغرافي أو التشابه بين المنظومتين الاجتماعية والسياسية في البلدين.دعونا نستعرض الخط الزمني لأحداث الأشهر الأخيرة، إذ إن في يوليو الماضي تم الكشف عن فضيحة تزوير الشهادات الأكاديمية، وسرعان ما نشرت إحدى الصحف المحلية تقريرًا عن نفس الموضوع في البحرين؛ لتتشكل بعدها لجنة وزارية للتحقيق في الأمر وإحالة المتورطين للنيابة العامة.

تلى ذلك كشف الكويت للعديد من الجنسيات المزورة، ونفس الشيء أعلنت البحرين اكتشاف عصابة لتزوير الجنسية البحرينية في أغسطس، وحصل أن الصحافة الكويتية تناولت عدم جهوزية المدارس لاستقبال الطلبة؛ ليحدث نفس الأمر في البحرين بداية سبتمبر، حيث تبين أن فصولا دراسية كثيرة مكيفاتها معطلة، وخذ الكثير من القضايا والمشاكل التي تطرأ في الساحة الكويتية لننتظر تكرارها عندنا، وكأن المسؤول الحكومي يترقب وصول الحريق لباب مكتبه أو لا شغل ولا مهمة لمستخدمي الشبكات الاجتماعية البحرينيين سوى استعارة المصائب من الكويت؛ ليكتمل الحفل في البحرين!

وأخيرا، يتداول في الكويت موضوع نسوي بشأن ضرورة إلغاء المادة (253) من القانون الجزائي الكويتي، والتي تخفف عقوبة القاتل في بعض حالات الزنا، وتنص على “من فاجأ زوجته في حال تلبسها بالزنا، أو فاجأ ابنته أو أمه أو أخته حال تلبسها بمواقعة رجل لها، وقتلها في الحال أو قتل من يزني بها أو يواقعها أو قتلهما معًا، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 3 سنوات وبغرامة لا تجاوز 3 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين”.

وقبل أن تنتقل هذه الدعوات إلى البحرين وتحدث ضجة وتكون حديث الساعة كما حدث قبل عامين بشأن المادة (353) من قانون العقوبات البحريني المتعلقة بالإعفاء من العقوبة في حال زواج المجني عليها من الجاني في جريمة الاغتصاب، ولعل الوقت يسمح لي هنا بتبيان رأيي عن هذه المادة كذلك، وهو أن المشرع وضع في اعتباره أن الجرائم الجنسية تتعدد بتعدد الظروف التي تقع فيها، خصوصًا الأحوال التي يكون عليها، الجاني والمجني عليه، فبالتالي ستجد في قانون العقوبات الحالي لسنة 1976 أحكامًا مختلفة باختلاف الفرضيات التي ستقع في سياقها الجريمة.

من يغتصب شخص ما اغتصابًا فعليًا أو يستغل طفلًا لممارسة الجنس فلا يتصور العقل السليم أن يقبل الضحية نفسه أو ذويه بهذا الحل وهو تزويجه من الجاني إلا إذا كان المجني عليه مضطربًا عقليًا وإن كان بدواعٍ تتعلق بالحفاظ على السمعة.

أما بشأن المادة (253) من القانون الجزائي الكويتي المتعلقة بجرائم القتل في حالة التلبس بالزنا، والتي هي في الواقع منصوص عليها في معظم القوانين، وتوجد كذلك بقانون العقوبات البحريني في المادة رقم (334)، أقول من باب التوضيح أولًا إن هذه المادة لا تعفي القاتل من العقاب، ولكنها تعتبر عذرًا مخففًا في عقوبة الجاني؛ باعتباره قد تعرض للاستفزاز كونه مجنيًا عليه في جريمة الزنا لما وقع عليه من خيانة، ولا يتصور أن يتفرج عاقل مبتسمًا لزوجه سواء كان الرجل أو المرأة وهو يخونه.

أما ثانيًا فالمشرع البحريني خالف المشرعين الكويتي والمصري في هذا الجانب ومنح للزوجة نفس العذر المخفف فيما لو فاجأت زوجها متلبسًا في جريمة زنا، وبالتالي أرى أن الباب قد سد على الغوغاء الذي سيتهم القانون بالذكورية.

وثالثًا إن ما حدث من جرائم قتل مروعة راح ضحاياها ذبحًا من الوريد إلى الوريد تعود لأسباب اجتماعية تتمثل بالتقاليد والعادات البالية وليس نص المادة القانونية، والذي يشترط أن يتوافر عنصر المفاجأة في التلبس بجريمة الزنا ليستفيد منه الجاني، وبالتالي فإن ما حدث من تقييد للحرية والاختطاف والقتل بحق النساء الكويتيات لا يستفيد فيه الجناة من ذلك العذر المخفف بل من المفترض أن تتم محاكمتهم وفقًا لجرائم القتل التي تتوافر فيها الظروف المشددة كظرفي الترصد أو سبق الإصرار والتي تصل فيها العقوبة للإعدام.

لا أقول إن المادة (334) من قانون العقوبات البحريني منزهة عن النقد، ولا توجد أصلًا قاعدة قانونية مقدسة في التشريعات الحديثة؛ لأنها خاضعة للتطور المجتمعي باعتبار أن القواعد القانونية ما هي سوى مرآة عاكسة للمجتمع الذي توجد فيه، ومن هنا أقول إنه بات من غير المقبول أن يستفيد من هذا العذر المخفف في المادة سالفة الذكر غير الزوج من الذكور في مواجهة الإناث أي أصول وفروع الأنثى الذين يفاجئونها متلبسة في حالة الزنا؛ لانتفاء عذر الاستفزاز بأقصى درجاته والذي يتوافر عند الزوج الذي يتعرض للخيانة.

 

علي جاسم