+A
A-

الحمدان: التغيير الذي أحدثه التجريب لا يمكن أن يتجاهله إلا حاقد

يشارك الناقد المسرحي البحريني يوسف الحمدان في فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الـ 25، حيث أقيمت قبل يومين ندوة على هامش المؤتمر قدم فيها الحمدان ورقة بعنوان “أثر مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر على المسرح العربي”، وفيما يأتي أبرز ما جاء في الورقة:

إن الدور الذي لعبه المسرح التجريبي في حياتنا المسرحية العربية منذ انطلاقته بقاهرة المسرح والفكر والتجديد والمعاصرة عام 88، لا يمكن أن يتجاهله أو يتجاوزه إلا حاقد على التغيير وضروراته الخلقية والإبداعية، فبعد أن كنا أسرى تجارب لم تخلص لغير طرائقها واجتهاداتها التقليدية السائدة، يأتي التجريبي ليرمي بحجر كبير في جوف بحيرتنا المسرحية الراكدة المضطربة ليعلن أوان المشاكسة والمغايرة والتجديد في كل تفاصيل وتضاعيف كل الأنواع المألوفة والممجوجة أحيانا، بل في كثير من الأحيان، وإذا كانت هناك ثمة مغايرة في التجارب المسرحية العربية، فهي تلك التي اقترن وجودها وخلقها بمدارس واتجاهات مسرحية مؤسسة ومؤثرة في أوربا أكثر تحديدا، أو تلك التي استدعتها ضرورات سياسية وأيديولوجية في حينها، خاصة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وكانت محل اهتمام كبير من قبل المسرحيين الذين يرومون التغيير والتطوير في حراكهم المسرحي وفي واقعهم الاجتماعي، ويهمني في هذه الورقة/‏ الشهادة، أن أشير إلى أن هذا التغيير الذي أحدثه التجريبي في ساحتنا المسرحية العربية، كان أول تأثير له، في بلد التأسيس للمهرجان، وأعني بها مصر، إذ معه تغيرت طبيعة ونوعية المؤسسات والبنى ذات الصلة بالمسرح، وأصبحت هذه المؤسسات تتشكل وفق رؤى التجديد والتغيير اللذين يقتضيهما التجريب ذاته، بوصفه حراكا ديناميكيا لا يستكين للساكن الجامد السائد، الأمر الذي تطلب من الجهة الأم لتبني هذا المشروع الجديد والإشكالي والاستثنائي، وأعني بها وزارة الثقافة والمؤسسات والهيئات الثقافية والمسرحية التابعة لها، تطلب بناء وإعداد بنى جديدة مغايرة لما كان سائدا آنذاك، ولعل مركز الهناجر الذي عني بتنظيم الورش المسرحية ذات الصلة بالروح التجريبية الخلقية، واستقطاب أهم الفاعلين المسرحيين المؤثرين في العالم في مختلف الحقول المسرحية للتدريب فيه، يعد أحد أهم المنجزات المسرحية التجريبية التي اضطلعت بها وزارة الثقافة المصرية، والذي ساهم في إطلاق أجنحة شبابية مبدعة قادرة على فتح آفاق مسرحية جديدة ومغايرة في فضاء المسرح المصري، على صعيد الكتابة النصية والإخراج والتمثيل والسينوغرافيا والنقد والتنظير والترجمة، كما أتاحت وزارة الثقافة فرصا كبيرة لرؤى شبابية تتملك وعي التغيير والخلق المسرحي المغاير الذي تخضعه لمحاورة ومشاكسة مرجعياتها الفكرية والتراثية والفنية.

ويتابع الحمدان “وهنا لا بد أن أشير أيضا، إلى أن تجريبي القاهرة وهو ينفض الصدأ العالق في ذاكرتنا ومخيلتنا جراء ما تورطتا به لعقود ليست بقليلة من انجذاب وإيمان بقيم مسرحية ميتة أو بالية أو متبلدة، تمكن من أن يستقطب في فضائه الحر الرحب أهم التجارب المسرحية العربية المغايرة التي تسنى لنا مشاهدتها في مهرجاني بغداد، 86، 87، ومهرجانات قرطاج، وكما لو أنه يمنحنا فرصة أكبر للتعرف على هذه التجارب الرائية، قبل أن ينحسر ضوؤها أو تصبح رهينة واقعها وبيئتها، وبالتالي يسهم هذا المهرجان في الاحتفاء بالتجارب والرؤى المسرحية العربية الإبداعية في فسحه الدولي، ويمنحها روحا جديدة للتجلي في مهرجانات دولية أخرى مما يضمن لها الاستمرار والتأثير”.

ويحق لي أن أزعم، كوني قد توفرت على فرص ذهبية لحضور أغلب دورات تجريبي القاهرة منذ التأسيس، وشاركت فيه مؤلفا ومخرجا لعرض فرقة الصواري البحرينية الأول فيه وهو (كاريكاتير) العام 92 بجانب استضافتي ناقدا وباحثا مشاركا وضيفا يتابع العروض والفعاليات المقدمة فيه، أن أزعم بأن هذا المهرجان الاستثنائي أسهم في تكويني الفكري والمسرحي، وكان بمثابة أكاديمية مسرحية دولية تلقيت فيها أهم وأبلغ وأبدع الدروس والرؤى والاتجاهات المسرحية العربية والعالمية المؤثرة، ومن هذا المنطلق تشكلت وتكونت لدي فكرة إلى حد كبير عن مدى تأثير هذا المهرجان على حراكنا المسرحي العربي، وخاصة في خليجنا العربي.

ويضيف الحمدان: إن هذا المهرجان، لم يكن بيئة لمشاهدة العروض وحضور الندوات الفكرية والورش فحسب، وإنما كان مختبرا واسعا وحميما لكل أفكارنا ورؤانا وقلق أسئلتنا، وكما لو أنه يتسع بنا ليصبح حياتنا.

ومن أهم انعكاسات تجريبي القاهرة على تجارب مسرحنا الخليجي بشكل أكثر تحديدا، هو استثمار بعض الفرق المسرحية لطرق ونوعية الورش المسرحية التي من شأنها خلق روح جديدة ومغايرة في التجربة المسرحية بعناصرها المتعددة، ففي العربية السعودية تأسس مختبر الطائف المسرحي، وفي البحرين أصبحت ورش الصواري التي يتولى إدارتها في الغالب الصديق المخرج عبدالله السعداوي، من أهم ورش الخلق المسرحي في خليجنا العربي، وفي الكويت حول بعض المخرجين الشباب من أمثال فيصل العميري وهاني النصار بعض الدروس الإخراجية والتمثيلية إلى ورش مسرحية بعيدا عن الدرس الأكاديمي.