+A
A-

“البلاد” تقلب صفحات أزمة "الجثث المتعثرة"

- “الصحة”: أخذنا الـ “DNA” ووثقنا القبوربـ “GPS”

- جهات الاختصاص تتقاذف كرة المسؤولية وفرص الجثث تتعثر

- الكنسية تتبنى دفن الجثث بمقبرتها شريطة الحصول على الموافقات

- رئيس “السلمانية”: جثث ظلت بالمشرحــة 10 سنين

هي قضية اتفقنا أم اختلفنا “إنسانية بامتياز”، لا تحتمل التأويل ولا الاجتهاد، تلك هي ظاهرة الجثث المجهولة التي تقبع دون دفن في المشرحة التابعة لمستشفى السلمانية الطبي لسنين، ويصل بعض منها إلى أكثر من 10 سنوات.

ولأنها جثث متعثرة، فقد أضحت أقوى من القانون وباتت الجهات المعنية وذات الصلة تتقاذفها بين فترة وأخرى، ولكن بقت عالقة دون حلول نهائية. من المسؤول وكيف حدث ذلك وإلى متى ستستمر؟

“البلاد” من موقعها الإعلامي وضعت المشرط على الجرح من أجل إثراء ما يدور من جدل صامت عن المسكوت عنه في الظاهرة.

- الشرع: كرامة الميت التعجيل بدفنه

- اليماني: عجزنا عن حل مشكلات العمالة الحية فكيف بالميتة

ظاهرة مزمنة

وزارة الصحة باعتبارها الجهة التي من خلالها تحرر شهادات الوفاة وباعتبارها المتصدي الأول لمثل هذه القضية كانت أول من يجب أن تثار القضية أمامها.

فكانت الوقفه الاولى مع الرئيس التنفيذي في مجمع السلمانية الطبي جاسم بحر جدد تأكيد وجود الظاهرة المزمنة، مشيرًا إلى أنه حين استلامه زمام المهمة الإدارية قبل 5 سنوات بمستشفى السلمانية كانت هناك جثث تعود إلى نحو 10 أعوام لأجانب آسيويين في المشرحة.

وأفاد بأن الواقع يحتم عليه إيجاد حلول لهذه الجثث التي ظلت لسنين كثيرة في المشرحة، إذ اتفق مع وزارة الداخلية على دفن الجثث بعد أن قامت وزارة الصحة بأخذ البصمة الوراثية (DNA) للجثث وتصويرها وتحديد مكان القبر بواسطة نظام ملاحي متطور، وتجهز الجنازة وفقًا المتبع من إجراءات ومراسم الدفن على الشريعة الإسلامية.

وأضاف أن الوزارة أخذت البصمة الوراثية وتحديد القبر بنظام ملاحي (GPS)؛ من أجل توثيق الحالة وإجراءات الدفن والجثة، حتى لو جاءت مطالبات مدنية مستقبلا بخصوص الجثة تكون هنالك قاعدة بيانات خاصة، مشيرًا إلى أنه لم تستلم الوزارة حتى الآن أي مطالبات بشأن ما تم دفنه من جثث متعثرة، لافتًا إلى أن لوزارة الداخلية دورا مشكورا في وضع هذا الإجراء.

المنسيون

وبين أن بعض الجثث مضى عليها 5 سنين وبعضها 7، ولم يأت أي أحد للسؤال عنها وجميعها تعود إلى أجانب، مؤكدًا أن الوزارة ستطبق الإجراءات سالفة الذكر في دفنها.

وكشف عن أن الجثث المتعثرة في الحالات الجديدة تودع في ثلاجات المشرحة لفترة تتراوح بين سنة وسنتين، بعدها يرفع الأمر إلى الوكيل المساعد لشؤون المستشفيات، الذي بدوره يقوم بالتنسيق مع وزارة الداخلية من أجل المباشرة بترتيبات شؤون الدفن، مشيرًا إلى أن الجثث تكون متحللة بشكل كلي.

وأفاد: تمت توسعة مشرحة السلمانية وكانت الجثث المتعثرة موجودة وقمنا بنقلها إلى ثلاجات مشرحة جامعة الخليج، وبعد التوسعة تسلمنا الجثث ورتبنا مع وزارة الداخلية لدفنها.

وأوضح أن في الفترة الأخيرة وسعت مساحة المشرحة ليصبح الاستيعاب 60 جثة، ولاستيعاب حالات الكوارث تم إنشاء غرفة كبيرة مبردة، مبينًا أن مجمع السلمانية واجه مشكلة كبيرة بعد كارثتي غرق السفينة والطائرة المنكوبة، لذلك تم إنشاء هذه الغرفة.

قاعدة بيانات

الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين حسن الحلواجي دعا وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وهيئة تنظيم سوق العمل إلى إنشاء قاعدة بيانات خاصة بالعمالة في البحرين وتشمل بصمات اليد والبصمة الوراثية؛ لتمكين الجهات المعنية من معرفة أصحاب الجثث وكل المعلومات المتعلقة بهم بعد موتهم خصوصًا في الكوارث، فقد تأتي جثث متشوهة أو محروقة ولكن إذا كانت هناك قاعدة بيانات تشمل بصماتهم الوراثية سوف تتمكن وزارة الصحة ووزارة العمل والهيئة من معرفة صاحب الجثة والتعامل مع الوضع بصورة أكثر وضوحا.

- “النقابات”: لتأسيس قاعدة بيانات تأخذ بالوقائع

- “LMRA”: بصمة العمال لتخريج المعلومات

- الشيخ صلاح الجودر: الوضع غير مقبول

وأشار إلى أنه يجب التشديد على المعلومات الأولية لوقائع حالات وفاة العمالة وأين وقعت والحيثيات التي جرت وقت الحوادث؛ وذلك لتسهيل عملية معرفة الجثث والوقوف على الجهات المعنية بالجثة وصولا لإيجاد حلول تحول دون بقاء الجثة متعثرة داخل المشرحة.

بصمات الموتى

ولهيئة تنظيم سوق العمل رأي آخر منفصل عن كل ما سبق من أقوال وما سرد من وقائع، كيف؟

ذلك ما سنعرفه على لسان نائب رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل صباح الدوسري، الذي أكد أنه تم وضع حلول للأزمة، إذ استأجرت هيئة تنظيم سوق العمل في وقت سابق أرض المعارض في السنابس ودعت كل العمالة في المملكة لأخذ البصمة وربطها بكل المعلومات المتعلقة بالعامل في نظام هيئة تنظيم سوق العمل.

وأفاد: هناك جهاز خاص لدى الهيئة يمكن من خلاله أخذ بصمات الموتى ومعرفة جميع التفاصيل المتعلقة بالجثث ويمكن بعدها أن نقوم باللازم تجاه هذه المسألة.

خارج السيطرة

يقول الرئيس التنفيذي لمجمع السلمانية الطبي إنه وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية لتجميع كل التفاصيل المتعلقة بالعمالة الآسيوية، نضطر حاليًا لإبقاء الجثث التي تعود للعمالة السائبة لأكثر من سنة؛ لوجود صعوبة بالغة في حل الموضوع.

أما عضو مجلس المفوضين للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان حميد اليماني تحدث لـ “البلاد” كونه حقوقيا مطلعا على شؤون العمالة، وفي حديثه أسقط كل ما أعلنه صباح الدوسري، إذ قال في مستهل كلامه “إن مشكلة الأحياء من العمالة الآسيوية (الفري فيزا) لم تضبط حتى الآن من قبل الجهات المعنية فما بالكم بالأموات منهم”.

وأكد أن مسألة العمالة الآسيوية صعبة جدًا؛ إذ إن كثيرا منهم يتعمدون إتلاف الأوراق الثبوتية لهم أو إخفاءها، ولذلك لا نعرف إلى أين ينتمون وبكفالة من والبعض منهم لا يريد أن يغادر البحرين.

وأردف “مملكة البحرين وضعت حلولا لهذا الأمر، إذ إننا البلد الأول في الخليج الذي يأخذ البصمة الوراثية من العمال والتي تشمل جميع التفاصيل المتعلقة بهم، ويمكن التعرف على الجثة المشوهة مثلا ومن كفيلها والتفاصيل المتعلقة كافة، ومازالت الجهات المعنية تعمل على تذليل الصعاب التي تواجه مشكلة معرفة المعلومات الخاصة بالعمالة الآسيوية الأحياء منهم والأموات”.

لا تنسيق

وقال “ولكن الواقع مختلف أيضًا، حيث زرنا أماكن توقيف الآسيويين ووجدنا صعوبة كبيرة في التعامل معهم، وفي غالب الأحيان يتعمد هؤلاء إخفاء جوازاتهم وأورقاهم الثبوتية بقصد البقاء في البلد، وتوجد صعوبة في حلحلة الملف مع الأحياء منهم فكيف بالموتى؟”.

وتابع “البحرين سباقة فعلا بأخذ البصمة الوراثية من العمال، لتكتشف الجهات المعنية من هو صاحب الجثة والمعلومات المتعلقة به، ولكن هنالك صعوبات مع السفارات، والتعامل مع عوائل الموتى، والقصة طويلة، إذ إن بعض العوائل لا ترضى بالتعامل مع الموضوع، وتتم الجثث فترة طويلة بالمشرحة لحين الدفن، وهناك حالات كثيرة تدفن في البحرين، ناهيك عن أنه لا يوجد تنسيق بين الأطراف المعنية من وزارة الصحة وهيئة تنظيم سوق العمل عن كيفية التعامل مع موضوع جثث الآسيويين المجهولة.

فراغ تشريعي

وفي عرضه الفتوى الشرعية والعرفية، قال النائب الشيخ مجيد العصفور إن كرامة وحقوق الميت في التعجيل ثم التعجيل ثم التعجيل بدفنه، وهذا هو المأخوذ به شرعا واجتماعيا وعرفا.

وفي عرضه الرؤية التشريعية، أكد أن هناك فراغا تشريعيا واضحا في وضع حلول لتنظيم هذه المشكلة، كاشفًا عن أنه من موقعه النيابي سيبادر إلى تفعيل الأدوات التشريعية لمعالجة هذا الموضوع.

وشاطر الشيخ صلاح الجودر ما أفاض به الشيخ مجيد العصفور بالتعجيل في دفن الميت، قائلا “الشرع وضح لنا أن الأمور في مثل هذه الجوانب وما ترك الشرع شيئا لتدبير أمور الإنسان، والإنسان له كرامة في حياته ومماته، وكرامة الميت في دفنه كما بينه النبي (ص)”.

وتابع “ليس من المعقول أن تتم الجثث في المشرحة لكل هذا الوقت، ويجب وضع حلول جذرية لهذه المسألة، ويجب إيجاد المواد القانونية التي تجيز دفن الميت بشكل سريع من الأخذ في الاعتبار الأمور القانونية والحقوقية والإنسانية”.

وبدوره اكد راعي الكنيسة الانجيلية في البحرين القس هاني عزيز على ان الاديان تؤكد على ان  كرامة دفن الميت بأقصى سرعة، مشيرا  إلى ان الكنيسة مستعدة في دفن الجثث في مقبرتها شريطة الحصول على الموافقات من الجهات الخاصة.

وبعد...

يبقى أن جهات الاختصاص لا تزال تتقاذف كرة تحلم بالمسؤولية، فيما فرص الجثث تتعثر.