+A
A-

في زمن حيث كانت النصيحة.. بجمل!

الحياة مزيج من التجارب والدروس والنجاحات التي حققها كثيرون من بني البشر على مر العصور، فكل منا يعيش حياته بطريقته الخاصة ويتعايش مع ظروف الحياة المختلفة؛ حتى يتمكن من فهم الحياة أكثر فأكثر مع المرور الوقت.

خلق الإنسان غير معصوم ولا منزه من الوقوع في الأخطاء، ولسنا بمسؤولين عن محاسبة الآخرين وليس لنا الحق بإصدار الأحكام عليهم، فالحديث هنا عن الأخطاء السلوكية والأخلاقية لا عن قوانين الدول والمجتمعات.

والنفرة والتدابر سمة من سمات المجتمعات المنفكة، ومعرة كبرى تأسف لها قلوب المشفقين من ذوي البصائر، وإن قلة الإنصاف وإصدارنا الأحكام وتجريمنا بعضنا البعض من أهم أسباب استمرار وتكرار الزلات في المجتمعات، أما النقد البناء والنصح الهادف واجب علينا جميعا، فليس كل إنسان لديه العزيمة والإصرار على تعديل أخطائه بنفسه، والبعض قد تحول بينه وبين تراجعه عن الأخطاء ظروف عدة، لذلك لابد أن نعين بعضنا البعض على الخير، لا أن نعين هوى النفس والشيطان على أنفسنا.

النصح الذي أمرنا الإسلام به وحثنا عليه يرتكز على مبدأ الأخوة في الإسلام، يحثنا على الاستماع لجميع من يسعى لنصحنا، ويساهم في إصلاح أحوالنا بكل ما أوتينا من تجارب، فلا يقتصر النصح على فئة معينة ومختارة.

فالأصل في النصح إرادة الخير للمنصوح، والأصل فيه أيضا الخلوص والصفاء والصدق وعدم الغش، فهو لا يقتصر على فئة من المجتمع قد تكون من شخص مذنب أو تائب أو متعلم أو غير متعلم، يصغرنا أو يكبرنا سنا، فمدرسة الحياة لا تعترف بهذه الطبقية المجتمعية أو العلمية، وليس من العدل تجريد الناس من حق النصح بسبب هفواتهم، وعلينا أن ننظر لهم بنظرة أكثر إيجابية، بل يجب علينا أن ننظر للنصيحة لا للناصح، فقد تكون تجارب هؤلاء كفيلة بتوعيتنا بجوانب قد غفلنا أو تغافلنا عنها؛ لأننا باختصار لن نجد شخصا متاكملا؛ لأن الكمال لله وحده.

والحق الذي لا غبار عليه أنه لا خير في مجتمع آذان ذويه كالأقماع يدخلها النصح مع اليمنى، فلا يلبث أن يخرج مع اليسرى. وعلى الناصح فينا أن يراعي آداب النصح، فليس من المعقول التعمد في النصح أمام العلن، والحذر من لبس ثوب التكبر والتعيير وأن نتلطف في طرحها بأسلوب لا يمس كبرياء وكرامة المرء بشيء، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:

تعمدني بنصحك في انفرادي... وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع... من التوبيخ لا أرضى استماعه

ولنعطي كل شخص فرصته في النصح أو الوعظ، ولنجعل تجاربهم تتناقل بيننا لتجنب هذه الأخطاء؛ إيمانا منا بأن الأصل في المجتمع المسلم أن يحرص أفراده على جلب الخير والإصلاح لبعضهم البعض، وأن ما طرأ على المجتمع من خلل أو فساد، أو انحراف، لم يكن بسبب دينهم ولا قيمهم؛ إنما كان بسبب انحرافهم وبعدهم عن المنهج الصحيح.

 

عيسى الدوسري