قد يظن البعض أن الجمال السياحي وحده ما يجعل تايلند وجهة مفضلة لملايين الزوار سنويًّا، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، من يزور هذا البلد لا يعود فقط بذكريات من شواطئ فاتنة أو معابد شاهقة أو أطعمة فريدة، بل يعود بقصة عن شعب استثنائي، اختار الطيبة والبساطة والقيم النبيلة. فالشعب التايلندي العظيم غني بما لا يُشترى ولا يُباع، أي “الأخلاق”، في الأسواق والشوارع والمقاهي والحقول تجد البسمة لا تفارق الوجوه، والاحترام في كل التعاملات، والرضا بما قسمه الله دون تذمر أو شكوى. عزة نفس نادرة، وسلوك إنساني راقٍ ينبع من قناعة عميقة بأن الكرامة لا ترتبط بالمال، بل بالتصرفات.
في تايلند، الديانة الرسمية هي البوذية، لكنها لم تكن يومًا حاجزًا أمام القيم العالمية المشتركة، بل كانت رافدًا للرحمة واللطف والاحترام. هؤلاء الناس قد لا يشاركوننا الدين، لكنهم يشاركوننا جوهر الإنسانية. أثبتوا أن الأخلاق لا تحتاج إلى طقوس معقدة، بل إلى نية صافية وقلب أبيض. وهكذا، لا عجب أن تتحول زيارة واحدة إلى تايلند إلى سلسلة من الزيارات. ليس فقط لأن البلد جميل، بل لأنك هناك تشعر بأنك مرحب بك، محبوب دون مصلحة، ومقدَّر لمجرد أنك إنسان. إنه بلد يمنحك الشعور بالسكينة، لا لأنك سائح، بل لأنك ضيف على قلوب طيبة قبل أن تكون على أرض مضيافة.
فقد أكّد تقرير صادر عن وكالة السياحة التايلاندية أن عدد السياح الأجانب الذين زاروا تايلاند خلال عام 2024 بلغ حوالي 35.5 مليونا، مسجّلة ارتفاعًا بنسبة 26.3 % مقارنة بعام 2023، وحققت إيرادات بلغت حوالي 1.67 تريليون بات تايلندي.
لكم أيها القراء الأعزاء أن تتخيلوا هذا العدد المهول من السياح وتأثير ذلك على الناتج القومي. ولا شك أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة في معدلات الانتعاش الاقتصادي لتايلند. كما أن المواطن التايلندي سيكون له نصيب الأسد في تحسين ظروفه الاقتصادية والاجتماعية من خلال انتعاش الفرص الاستثمارية والتجارية. إن تايلند ليست فقط دولة سياحية من الطراز الأول فحسب، بل مدرسة في التواضع، وأرض تُعلّم الزائر معنى أن تكون إنسانًا قبل أن تكون أي شيء آخر.
وللأمانة فهذا الوصف لهذا الشعب والدولة ليس مجاملة أو نفاقًا، بل يستحقون أكثر بكثير، والكتابة عنهم من خلال هذا العمود قليلة جدًّا ولا توفيهم حقهم. فالسائح عندما يقرّر السفر إلى أي بلد فإن أولوياته ضمان الأمن والأمان والاستقرار السياسي، بالإضافة إلى المعاملة الطيبة والاحترام من قبل أهل البلد. وفي المقابل، يتطلب من جانب السائح احترام القوانين والأنظمة وحسن التعامل، وكما يقولون “يا غريب كن أديب”.
فتايلند على سبيل المثال وليس الحصر تعتبر من الدول التي تمتلك ثروة كبيرة من الخلق الرفيع للشعب أينما حل، فالاحترام الذي يقدمه للسائحين من وجهة نظري يعتبر استثنائيا بكل المقاييس، شخصيًّا أنا كثير الترحال وبصراحة شديدة لم أجد شعبًا مثل شعب تايلند.
فكل ما ذكرته في هذا المقال أعتبره ملخصًا لانطباعي الذي خرجت منه بعد زيارتي تايلند مع العائلة، وكل ما ذكرته انطباع شخصي وليس بالضرورة أن يتفق الجميع مع هذا الرأي.
على المستوى المحلي، وزارة السياحة تقوم بجهود كبيرة ومضنية لجذب السياح من الخارج إلى البحرين، وتعمل جاهدة لتحقيق أفضل النتائج لاستراتيجيتها الوطنية التي وضعتها للسياحة 2022 – 2026 ضمن خطة التعافي الاقتصادي، وتهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي ضمن خطة طموحة تعكس رغبة البحرين في توسيع وتطوير قطاع السياحة عبر تعزيز التنوع، ورفع القيمة الاقتصادية، وتحسين التجربة السياحية بمختلف أشكالها.
*كاتب وإعلامي بحريني