العدد 6086
الجمعة 13 يونيو 2025
banner
بين أسطوانة الغاز وجهاز التصوير الطبي.. تناقض صارخ
الجمعة 13 يونيو 2025

في زمن باتت فيه الصور ومقاطع الفيديو تختصر الواقع وتفضحه أو تمجّده، انتشر مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي مشهدان متناقضان من حيث الرسالة والقيمة. أحدهما لطالب خريج وفي حفل التخرج يرفع أسطوانة غاز على كتفه وسط زملائه، تكريمًا لوالده العامل البسيط الذي كدّ وتعب ليصل ابنه إلى منصة التخرج، والثاني لثلاثة من الموظفين في مركز طبي، يتناولون طعامهم فوق جهاز تصوير طبي ( CT - scan )، في مشهد أثار سخطًا عارمًا وسؤالاً كبيرًا حول غياب الحد الأدنى من الاحترام للمهنة ولمكان العمل.

ففي المشهد الأول، يقف الطالب متوشحًا برداء التخرج، لكن على كتفه لا يضع وسامًا أكاديميًا ولا يحمل درعًا تذكارية، بل يحمل أسطوانة غاز، رمزًا لعمل والده الشاق وتضحياته اليومية. لم يتنكر لمصدر رزق عائلته، بل أراد أن يُري الجميع من هو البطل الحقيقي في هذه القصة. لقد فهم هذا الشاب المعنى العميق للعمل، أيًّا كان نوعه، وأن الكرامة ليست في المهنة فحسب، بل في الإخلاص لها، وأن التعب في سبيل تعليم الأبناء هو أنبل أشكال العطاء.

أما في المشهد الآخر، فثلاثة موظفين، داخل مؤسسة صحية يُفترض أن تكون بيئة للانضباط والنظافة والاحترام، يجلسون على جهاز تصوير طبي مخصص لتشخيص المرضى، وقد جعلوا منه طاولة طعامهم! فهذا التصرف ليس مجرد “كسر للبروتوكول”، بل هو تجاوز أخلاقي يعبّر عن لامبالاة واستهانة بالمكان والرسالة الإنسانية لمهنتهم. صورة تختصر عطبًا عميقًا في منظومة احترام العمل، حيث يغيب الوازع المهني، وتنعدم المسؤولية، ويُفرّغ المكان من هيبته. 

الفرق بين الصورتين ليس في الخلفية ولا في نوعية العمل، بل في الموقف من العمل ذاته. بين من يرى في العمل مسؤولية ووسيلة كريمة لبناء المستقبل، ومن يتعامل مع العمل وكأنه “مجرد دوام” يمكن أن يُستهان به مادامت الرقابة غائبة. فقد كرّم أحدهما المهنة، والآخر أهانها. أحدهما قدّم نموذجًا يُحتذى به في الوفاء والتقدير، والآخر قدّم مشهدًا مؤسفًا في الاستخفاف بالواجب.

ليست كل رسالة تحتاج إلى كلمات، تكفي صورة أو لقطة، وكما يقولون “الصورة عن ألف كلمة”، والمجتمع الذي يكرّم عرق الكادحين، ويحمي كرامة المهنة أياً كانت، هو المجتمع الذي يمضي نحو التقدّم الحقيقي، أما من يستهين بالعمل ويهين أدواته وأماكنه، فهو يُهين نفسه أولاً، ويؤسس لمنظومة عجز وفساد لا تُبقي ولا تذر.

الخلاصة.. من وجهة نظري الشخصية هذه المقاطع أو الأخبار التي تصلنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي يجب علينا جميعا التعلم منها وأخذ العبر وحتى الحديث عنها مع أفراد العائلة والأصدقاء، فهناك قصص ملهمة ومؤثرة، في المقابل هناك الكثير من المواقف السلبية أو الممارسات الخاطئة وجب علينا تجنبها. فالشاطر الذي يقلد الناس في عاداتهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم الصحيحة والناجحة، ويتجنب كل السلوكيات السيئة. ما رأيكم؟.

*كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .