العدد 6055
الثلاثاء 13 مايو 2025
banner
ثقوب في رداء “أصحاب المهنة”
الثلاثاء 13 مايو 2025

 لا شيء يضير الموظف ولا الرقيب، لا الدخيل ولا الحسيب، المتضرر الأول والأخير من قانون الصحافة بعد إقراره هو المهني الحقيقي، هو ذلك الرجل الذي لم يختطف القلم من مكتبه، ولا من يد محترف، ولا مصنع لـ “الأطباق الطائرة”، هو الرجل الذي نشأ وتربى في بلاط صاحبة الجلالة، وهو الذي ظل يفني جل عمره من أجل الكلمة الحرة المحايدة، والرأي النزيه المنزه، هو ذلك الإنسان الذي ضحى بكل شيء وربما بأعز ما يملك من أجل أن يكون شرف الكلمة فوق كل اعتبار، وأن تكون سيدة الألقاب عزيرة كريمة، لا تمد يد العوز لكائن من كان، هو ذلك المخلوق الغريب العجيب الذي يترك الدنيا ومن فيها، ويضحي بالغالي والنفيس في سبيل أن تكون صورة وطنه نقية ناصعة، وحضارة أمته زاهية حاضرة، وإنجازات شعبه ملء السمع والبصر، إنه الصحافي المهني، وليس ذلك الذي يقفز بالمظلات والفرص الواقية، والانتهازية المستترة، وتلك التي أصبحت “عيني عينك” أو “على عينك يا تاجر”، دون خجل أو وجل أو “خشية إملاق”.
 قانون الصحافة جاء بردًا وسلامًا على “البلوجرز” ومرتدي عباءة “السوشال ميديا”، والصحافة الإلكترونية المارقة، وهؤلاء المتلونون على حسب المقاس والرغبة والطلب. جاء القانون ليحمي الصحافي من عقوبة الحبس، وهو مبدأ متفق عليه من قبل، وجاء ليقنن أعمال الصحافة المسماة بالحديثة، وتلك التي تطلقها الكتائب غير المحترفة دون مراعاة لأصول، أو احترام لقواعد، أو إيمان برسالة.
لم يرد في القانون أي شيء عن تعريف “الصحافي”، من هو ذلك الرجل المختلف عليه، وما هي تلك المهنة المعرضة للاختطاف من أي مخلوق وفي أي وقت وتحت أي ستار أو ذريعة، ما هي حقوقه والواجبات الملقاة على عاتقه، هل هو الكاتب الموظف الذي يقفز في غفلة عين ويعتلي منصات الرأي في الصحف والفضائيات ومنابر الرأي العام، أم أنه ذلك الرجل الذي يعمل بالمهنة منذ تخرجه أو قبل، في بلاط صاحبة الجلالة جالبًا لصحيح الأخبار، ومغطيًا وناقلًا بأمانة وحيادية ونزاهة أهم الفعاليات والأحداث، وهو المحاور النشط لأي مسؤول من أجل أن يظهر الحقيقة للناس، وهو المحقق المحايد الذي يقوم بدور السلطة الرابعة على خير ما يكون، ليكشف ما تغطيه العبارات الرنانة، وبراقع الحياء الممزقة، و”كمامات” الأوجه المستفزة المتجاوزة، ثم أخيرًا هو كاتب الرأي الحصيف الحكيم الذي يدافع عن قضايا وطنه، وعقيدة شعبه، وشرف أمته، وقد يلقى في خضم الصراعات والحروب والمعارك الثقافية حتفه، ويواجه ربًّا كريمًا دون أي قانون يحمي مستقبل أبنائه، ويدافع عن حقوقه إذا أصيب، أو لحق به مرض عضال.
تعريف الصحافي لم يرد في القانون الجديد للصحافة، وبالتالي لم يرد أي ذكر لحقوق هذا الصحافي من معاش تقاعدي، وتأمين ضد مخاطر المهنة، ورعاية صحية متميزة، نظرًا لأنه يعمل على مدار الساعة، وليس مثل هؤلاء الدخلاء الذين يلقون بأعمدة “موضوعات الإنشاء أو التعبير المخل” من نوافذ الصحف، لكي يصنعوا لأنفسهم أمجادًا ليست بأمجاد، وألقابًا صحافية مع مرتبة الشرف من دون قانون يردع، ولا تشريع يحاسب، ولا لوائح تحدد.
قانون الصحافة الجديد به من الثقوب ما يجعلنا نطالب بإعادة التدقيق عن طريق لجان متخصصة محايدة، ممتهنة الصحافة والإعلام، وليست تلك المنضوية فقط تحت قبة البرلمان الذي غالبًا ما تغيب عن أعضائه خصوصية هذه المهنة التي غيرت العالم، ولم تغيرنا، وأشعلت الحروب الموجهة ضدنا، ولم نستطع إخماد حرائقها حتى الآن، وحولت مقاومة شعوبنا من أجل الحرية والاستقلال وطرد المحتل إلى إرهاب مع سبق الإصرار والترصد.
الصحافة في العالم ليست مثلها لدينا، ليس على مستوى الحريات التي كفلها الدستور البحريني المتقدم والخلاق، وليس من خلال الأنماط المختلفة في التغيير التي جاء ميثاق العمل الوطني والمشروع الإصلاحي الكبير لحضرة صاحب الجلالة مليكنا المعظم حفظه الله ليؤكد عليها في أكثر من موضع وأكثر من فقرة، إنما عن طريق ما يسمى بالحقوق المهضومة للصحافي، بدءًا من إطلاق تعريف محدد له من خلال جمعية الصحافيين المحترمة وعن طريق رئيسها الزميل القدير عيسى الشايجي تحديدًا، وصولًا إلى تأكيد حق الصحافي في معاش تقاعدي يحفظ له كرامته إذا لم يكن منضويًا تحت مظلة صحيفة أو جهاز إعلامي بعد أن أغلقت الصحف التي يعمل بها أبوابها لسبب أو لآخر.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية