العدد 6043
الخميس 01 مايو 2025
دور العمال كشركاء في بناء الاقتصاد وتعزيز التنمية المجتمعية... الأول من مايو
الخميس 01 مايو 2025

يُعد العمل والعمال من أهم الركائز التي تقوم عليها أي منظمة أو دولة، حيث يساهم العمال في بناء الاقتصاد وتحقيق التقدم المجتمعي. ومنذُ القدم، ارتبط مفهوم العمل بالحضارات الإنسانية وتطورها عبر العصور ليصبح منظومة متكاملة تحفظ حقوق العمال وتضمن استدامة المؤسسات.
في هذا المقال، نسلط الضوء على نشأة مفهوم العمل، وتاريخ يوم العمال، وأهمية العمال للمنظمات، ودورهم في الاستدامة، مع استعراض جهود مملكة البحرين في دعمهم وتطوير كفاءاتهم.
مفهوم العمل عبر العصور
يعود مفهوم العمل إلى فجر التاريخ، حيث مارسه البشر في الزراعة، والبناء، والصناعات اليدوية. ومع تطور الحضارات القديمة، مثل الحضارتين المصرية والبابلية، أصبح العمل أكثر تنظيما، لاسيما في المشاريع الكبرى كالأهرامات والمدن العمرانية.
في العصر الصناعي، شهد العمل تحولا كبيرا مع ظهور المصانع والآلات، مما أدى إلى زيادة الطلب على الأيدي العاملة. ومع ذلك، واجه العمال ظروفا قاسية، مثل ساعات العمل الطويلة والأجور المتدنية، ما دفعهم إلى المطالبة بحقوقهم، وكانت تلك بداية الحركات العمالية المنظمة.
لمحة تاريخية عن يوم العمال
يرتبط يوم العمال العالمي بحركة “الثماني ساعات” في الولايات المتحدة، وتحديدا بأحداث ميدان “هاي ماركت” في شيكاغو العام 1886، حين خرج آلاف العمال للمطالبة بتحديد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات، ورفعوا شعار: (8 ساعات للعمل، 8 ساعات للراحة، 8 ساعات للترفيه).
انفجار قنبلة خلال تظاهرة سلمية أدى إلى مقتل 11 شخصا، لتتحول الواقعة إلى رمز عالمي للنضال العمالي.
اعتمدت دول عديدة تاريخ الأول من مايو عطلة رسمية احتفاء بالعمال، فيما تحتفل الولايات المتحدة بعيد العمال في أول يوم اثنين من سبتمبر.
النقابات العمالية ودورها المؤسسي
تُعد النقابة العمالية كيانا قانونيا يمثل مجموعة من العاملين في مهنة أو قطاع معين، وتعمل على حماية حقوقهم وتحسين ظروف العمل، سواء من حيث الأجور أو الصحة والسلامة أو التوازن بين العمل والحياة.
وتُشكل النقابات أحد أركان التوازن في علاقات العمل، إذ تسهم في تسوية النزاعات وتعزيز الحوار الاجتماعي مع أصحاب العمل والحكومات، كما يمنح العمل النقابي الجماعي قوة تفاوضية أكبر للعامل مقارنة بالعمل الفردي، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة، هذا ولم يكن العمل النقابي في العالم العربي بعيدا عن هذه التحولات، بل شهد تطورا لافتا في العقود الأخيرة، خاصة في دول الخليج العربي.
 

البحرين والعمل النقابي: نموذج ريادي
 تُعد مملكة البحرين من الدول الرائدة في دعم الحريات النقابية، منذ إقرار قانون النقابات العمالية عام 2002، الذي وضع الإطار القانوني والمؤسسي للعمل النقابي.
وقد شكل تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين محطة فارقة، حيث أصبح كيانا جامعا يمثل الحركة العمالية، ويعمل كحلقة وصل فاعلة بين العمال والحكومة وأصحاب العمل.
ومن أبرز أدواره هو: دعم برامج التأهيل المهني والتدريب، وتمكين المرأة العاملة، والمشاركة في رسم السياسات العمالية الوطنية وتعزيز ممارسات المسؤولية الاجتماعية لدى المؤسسات.
وتعكس العلاقة الاستراتيجية بين الاتحاد العام ووزارة العمل أهمية التوازن بين أطراف الإنتاج الثلاثة: الحكومة، وأرباب العمل، والعمال. ويعزز هذا التوازن من خلال اللجان الثلاثية التي تضم ممثلين عن كل طرف.


الهيئات الداعمة لسوق العمل في البحرين
تؤدي ثلاث مؤسسات دورا محوريا في إدارة سوق العمل هي: الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، صندوق العمل “تمكين”، هيئة تنظيم سوق العمل.
وتعمل كل هذه المؤسسات بشكل منسق مع بعضها البعض بما فيها الاتحاد العام لنقابات العمال لتحقيق العدالة الاجتماعية واستدامة السياسات العمالية.
أهمية العمال في المنظمات واستدامتها
يمثل العمال العمود الفقري لأي منظمة، وتكمن أهميتها في المحاور التالية:
- الإنتاجية والابتكار: يُعد العامل الماهر عنصرا رئيسا في تحسين جودة الإنتاج وتطوير العمليات داخل المنظمة.
- الولاء التنظيمي: يساهم العمال الملتزمون في تقليل معدلات دوران الموظفين، ما يقلل التكاليف ويحسن الأداء.
- سمعة المنظمة: معاملة العمال بعدالة واحترام تعزز من صورة المؤسسة وجذب الكفاءات الجديدة.
- الاستدامة المؤسسية: القوى العاملة المدربة تضمن الكفاءة التشغيلية، والقدرة على التكيف مع التغيرات، والامتثال للقوانين، ما ينعكس إيجابا على أداء المنظمة على المدى الطويل.


جهود البحرين في صقل مهارات العمال
حققت البحرين مراتب متقدمة عالميا في مؤشرات تنمية القوى العاملة، حيث احتلت المرتبة الثانية عربيا و35 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2022. وتبرز جهودها من خلال:
1. التعليم الفني والمهني: أنشأت البحرين إدارة التعليم الفني والمهني بالعام 1974، وأسست مؤسسات مثل كلية البحرين التقنية “بوليتكنك البحرين” لدعم التعليم العملي وربطه بسوق العمل.
2. البرامج التدريبية: من خلال “تمكين”، أُطلقت برامج تهدف إلى رفع كفاءة العمال في القطاعين العام والخاص، وتعزيز مهارات الابتكار وريادة الأعمال.
3. الحماية القانونية: يكفل قانون العمل في القطاع الأهلي (القانون رقم 36 لسنة 2012) حقوق العمال في الأجور، وساعات العمل، والإجازات، والسلامة المهنية، ومكافحة التمييز، والتعويض العادل.
4. الشراكة الاستراتيجية: تعمل البحرين على تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتطوير رأس المال البشري، ضمن أهداف التنمية المستدامة، لاسيما الهدف السابع عشر (عقد الشراكات لتحقيق الأهداف).


الخاتمة
لا يمكن لأي منظمة أو دولة أن تزدهر دون عمال أكفاء ومتفانين، فهم ليسوا مجرد أدوات للإنتاج، بل هم القلب النابض لكل عملية تنموية، وشركاء أساسيون في صناعة الازدهار. إن الاستثمار في تدريبهم وتحفيزهم هو استثمار في مستقبل أكثر إشراقا وعدالة. وفي هذا الإطار، تلعب النقابات العمالية في البحرين دورا محوريا في تمكين العامل، والدفاع عن حقوقه، وتعزيز مكانته في بيئة العمل، بما ينسجم مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تضع الإنسان في صلب التنمية المستدامة.
لذا، فالعامل هو البطل الحقيقي لنمو للاقتصاد، وتقديره هو أساس كل نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة في الوطن.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .