قد يبدو هذا المقال مختلفًا بعض الشيء عن السياق الذي اعتدت اتباعه في كتاباتي، لكن نظرًا لأهمية الموضوع رأيت أن أقدم للقارئ لمحة موجزة عن هذا المجال الحيوي والمهم، حتى إن كانت هذه المعلومات بسيطة للبعض، وذلك لتسليط الضوء على جوانبه الأساسية وفهم تأثيره الكبير على الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.
في عالم يتسم بترابط اقتصادي متزايد واعتماد مكثف على التكنولوجيا المتقدمة وتحليل البيانات الضخمة، تُعد أنظمة التحويلات المالية العالمية إحدى الركائز الأساسية لدعم استقرار التجارة الدولية وتيسير حركة رأس المال بين الدول. يُمثل نظام سويفت (SWIFT)، كمنصة رئيسة للتحويلات المالية العالمية، أداة حيوية لضمان سلاسة العمليات المالية عبر الحدود. لكن مع تعاظم التوترات الجيوسياسية، لم يعد هذا النظام مجرد وسيلة تقنية لتحويل الأموال، بل أصبح ساحة صراع تعكس تغيرات موازين القوى العالمية، حيث تُوظَّف أدواته لتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية للدول الكبرى. منذ أن استطاعت الولايات المتحدة فرض هيمنتها على النظام المالي الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استخدمت منصات مثل “سويفت” (SWIFT) كأداة للضغط السياسي والاقتصادي. من خلال فرض العقوبات على دول وكيانات مختلفة، حيث تحول النظام المالي إلى وسيلة لتعزيز المصالح الجيوسياسية الأميركية. إلا أن هذا الواقع أثار انتقادات وتساؤلات من قوى عالمية أخرى، مثل روسيا والصين، التي تسعى إلى تقليص الهيمنة الأميركية عبر تطوير أنظمة تحويلات مالية بديلة.
في هذا المقال، سنحاول استعراض الفروق بين نظام التحويلات العالمي (SWIFT) ونظام التحويلات الروسي (SPFS)، مع تسليط الضوء على بعض خصائص كل منهما ودوافع إنشائهما.
أولًا: نظام التحويلات “سوفت”، (SWIFT) تعني: Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك).
تأسس في عام 1973 في بلجيكا، ويُعد شبكة مالية عالمية تربط بين أكثر من 11,000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، وذلك حسب ما ورد بموقع (www.investopedia.com)، وكان الغرض منه توفير منصة آمنة وموحدة لتبادل الرسائل المالية، مثل تعليمات الدفع وتحويل الأموال عبر الحدود.
أما من حيث البنية التحتية، فيعتمد سوفت على نظام مركزي يضمن أمان وسرعة التحويلات، والنظام لا ينفذ التحويلات المالية فعليًّا، لكنه يسهل التواصل بين البنوك لإتمامها. أما من حيث الاستخدام فهو يستخدم على نطاق واسع في التجارة الدولية والتحويلات المالية والخدمات المصرفية بين البنوك، كما أنه يخضع بشكل كبير للرقابة الأوروبية والأميركية، ما يجعله عرضة لاستخدامه كأداة ضغط سياسي أو اقتصادي، مثل فرض العقوبات.
ثانيًا: نظام التحويلات الروسي، (SPFS)، وتعني System for Transfer of Financial Messages (نظام نقل الرسائل المالية).
وأُطلق في عام 2014 من قِبل البنك المركزي الروسي كرد فعل على تهديدات بفصل روسيا عن نظام (SWIFT) بسبب العقوبات الغربية. وكان الغرض منه توفير نظام بديل يسمح للبنوك الروسية بالاستمرار في إجراء التحويلات المالية داخليًّا ودوليًّا دون الاعتماد على منصة (SWIFT).
أما من حيث البنية التحتية، فهو مصمم للعمل بشكل مشابه لنظام (سوفت) ولكنه مخصص في البداية للربط بين المؤسسات المالية الروسية. هذا وبدأ في التوسع والتعاون مع بنوك دول أخرى مثل الصين والهند وإيران وتركيا وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وذلك حسب ما ورد بموقع (www.cbr.ru)، هذا ويركز استخدامه بشكل أساسي على تقليل الاعتماد على الأنظمة الغربية وتحقيق قدر من الاستقلال المالي. كما أنه يخضع للتبعية الروسية وهو أقل عرضة للتأثيرات الغربية بسبب إدارته من قبل روسيا، ولكنه محدود في انتشاره مقارنة بنظام سوفت (SWIFT).
ويمكن أن نوجز الفروق فيما يلي:
من حيث النطاق فإن (SWIFT) فهو عالمي، أما (SPFS) فهو مازال محليًّا مع توسع تدريجي.
من حيث الإشراف والمراقبة فإن (SWIFT) منصة دولية مقرها بلجيكا، أما (SPFS) فيديره البنك المركزي الروسي.
من حيث الاستقلالية فإن (SWIFT) يخضع لضغوط سياسية غربية، أما (SPFS) فيعتبر مستقلًّا نسبيًّا.
من حيث الانتشار يُعد (SWIFT) واسع الانتشار وتعتمده أغلب الدول، أما (SPFS) مازال محدودًا، ولكنه في طور التوسع، ولكنه بطيء نوعًا ما.
من حيث الدوافع يُعد (SWIFT) من الأدوات التي تسهل التجارة العالمية، أما (SPFS) تم انشاؤه من أجل تقليل الاعتماد على نظام التحويلات “سوفت”.
هناك تحديات يواجهها (SWIFT) من أبرزها، تتعلق باستخدامه كأداة ضغط سياسية، ما يدفع بعض الدول إلى البحث عن بدائل، أما (SPFS) الروسي فمازال يعاني من محدودية العضوية الدولية، ما يجعله أقل فعالية في التجارة العالمية مقارنة بنظام التحويلات (SWIFT).
الخلاصة:
نظام التحويلات (SWIFT) هو النظام المهيمن عالميًّا ويُعد العمود الفقري للتجارة الدولية، بينما يُمثل (SPFS) محاولة روسية لتعزيز الاستقلال المالي والسيادة الاقتصادية في مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية. في نفس الوقت يُعتبر (SPFS) ردًّا استراتيجيًّا من روسيا على هذه التحديات، حيث يوفر بديلًا محليًّا وآمنًا لتحويل الرسائل المالية، ما يُعزّز قدرتها على تقليل الاعتماد على الأنظمة المالية الغربية وضمان استقلالها المالي.
في الختام، يعكس الصراع بين النظامين تحولات جيوسياسية أعمق، حيث تسعى دول مثل روسيا والصين والهند إلى بناء أنظمة مالية بديلة تعزز سيادتها الاقتصادية وتقلل هيمنة الغرب وأميركا على الاقتصاد العالمي. ومن هنا، وبعد تسليط الضوء على المجال الحيوي، نغتنم هذه الفرصة ومن هذا المنبر لنحث رواد الأعمال المتخصصين في مجال التكنولوجيا المالية (FinTech) على التركيز على تطوير مبادرات مبتكرة سواء محليًّا أو عالميًّا. هذا ويمثل هذا التوجه فرصة استراتيجية واعدة لرواد الأعمال والمبتكرين في مملكة البحرين لتحقيق الريادة في تطوير منصات مالية تعتمد على التقنيات الحديثة.
مثل هذه الجهود يمكن أن تنوع مصادر الدخل وتعزز الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وزيادة تنافسية المملكة على المستويين الإقليمي والدولي.
أكاديمي بحريني