تعقيبًا على المقالة المنشورة قبل أيام في مثل هذه المساحة حول أهمية إنشاء مراكز للدراسات تكون مخصصة للدراسات المستقبلية، كتب لي الصديق ملاحظة مهمة في سياق إثراء هذا الموضوع.
هذا المقال مهم في تقديري لأنه سلّط الضوء على جانب يفترض أن يحظى باهتمام الجميع وهو العناية بالمستقبليات، وسط الصخب الإعلامي الذي قد تصور للمسؤولين وصناع القرار أن كل شيء على ما يرام من دون الاستناد إلى دراسات دقيقة وموضوعية تقول لنا إلى أين نحن ذاهبون في كل المجالات التنموية، ولذلك نحن بحاجة ماسّة وحيوية إلى مراكز دراسات المستقبل أكثر من حاجتنا إلى الدعاية. ولهذا أعتقد أننا بحاجة ماسة لمراكز دراسات المستقبل التي تعتمد أدوات تحليلية ومنهجيات علمية تساعد صناع القرار على تصور الاتجاهات المستقبلية في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والمجتمعية بوجه خاص، ويكون لها دور حيوي في رسم سيناريوهات متعددة، بما يتيح لمتخذي القرار وضع خطط وسياسات قادرة على التكيف مع التغيرات الإقليمية والدولية والمجتمعية والعلمية المحتملة واستباقها. كما أن التنبؤ العلمي بالمستقبل، والذي نقصده هنا، ليس شعوذة، بل هو عملية منهجية تستند إلى أسس علمية تهدف إلى توقع ما قد يحدث في المستقبل القريب والبعيد، اعتمادًا على تحليل البيانات الحالية والمعطيات السابقة باستخدام نماذج علمية وتقنيات متقدمة بما في ذلك منجزات الذكاء الاصطناعي المتوافرة على نطاق واسع اليوم. وهذا أمر يختلف عن الحدس أو التوقع العشوائي كونه مبنيًا على أساليب موضوعية قابلة للتحقق.

كتبت للصديق:
 إن الحديث عن المستقبل يعني بالضرورية الحديث عن عملية تفاعلية بين دروس الماضي وحقائق الحاضر، وتوقعات المستقبل وتحليل أية ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، بوضعها في سياقها الزمني. وهذا أمر بالغ الأهمية ويحتاج إلى إعداد فرق بحث ودراسات على درجة عالية من التكوين والتأهيل. ومن هنا تتجلى أهمية وجود مراكز للدراسات المستقبلية في العلوم السياسية والاقتصادية بوجه خاص وفي العلوم الاجتماعية والإنسانية بصفة عامة. وبالنظر إلى الأهمية البالغة لهذا المجال لجأت الدول المتقدمة – ومنذ زمن طويل نسبيًّا - إلى إنشاء كليات ومراكز دراسات وبحوث لمأسسة الدراسات المستقبلية في إطار التخطيط الاستراتيجي الشامل. وهذا ما نحتاجه في البلاد العربية.

كاتب وإعلامي بحريني