الصورة المثالية للإعلام الحر غير الخاضع للأجندات السياسية غير واقعية، بل وهمية، ولكننا نتحدث عن الإعلام الدعائي الغربي – الذي يفترض أنه إعلام حر في مجتمعات ديمقراطية - ولكنه يفاجئنا بحجم الكذب والتضليل والانحياز. والمثال النموذجي لهذا التضليل نجده في تغطية الحرب على غزة وفي الحرب الروسية الأوكرانية، حيث يلمس المتابع الحجم الهائل من الإفلاس الأخلاقي والمهني.
ففي المثال الأول، وبالرغم من أن الاحتلال يرتكب جرائم مروّعة، معتمدًا التطهير العرقي، مستهدفًا بصورة أساسية المدنيين، وهدم المستشفيات والمساكن والمدارس والبنية التحتية، فإن الإعلام الدعائي الغربي - إلا فيما ندر – لا يسلّط الضوء على الإبادة الجماعية والتجويع والتعطيش والإذلال والترانسفير القسري، إنما يركز على سردية دفاع إسرائيل عن نفسها، وحقها في الوجود مع تبنٍّ كامل لأزمة “الكيانية الإسرائيلية” التي ترسم صورة يلفها الخوف على وجود إسرائيل التي يحاصرها عالم معاد، مع تجاهل تام لجهنم المفتوحة على سكان عزة منذ 17 شهرًا.
في المثال الثاني لا تختلف الصورة كثيرًا، ومن دون تجاهل حقيقة الاعتداء الروسي على الأراضي الأوكرانية، فإن الإعلام الدعائي الغربي لا يتعامل مع الواقع، ويعمل على تغذية الحرب ضد روسيا من خلال بناء سرديات غير واقعية، وممارسة التضليل، بتصوير روسيا على أنها خطر داهم سيبتلع أوروبا بالكامل، مع أن روسيا مضت عليها أكثر من 3 سنوات وهي تحاول السيطرة على إقليم الدونباس بالكامل دون جدوى.
ويبدأ هذا التضليل من تجاهل تاريخ هذه الحرب ومراحلها السابقة. بدءًا من انقلاب الميدان في 2013م وإسقاط الحكومة المنتخبة، ومسؤولية الناتو في ذلك، ودون النظر إلى ما تعرض له سكان الدونباس من قتل منهجي قبل التدخل الروسي (أكثر من 14 ألف قتيل)، وإخفاء ما تعرضت له الكنيسة الأرثودوكسية من ترهيب وحرق الكتب والإبادة الثقافية وامتهان حقوق السكان، وتقديس الرموز الفاشية، وتجاهل الارتداد المدمر للعقوبات ضد روسيا على سكان هذه الأقاليم التي عانت كثيرًا وفضلت في النهاية الانضمام إلى الاتحاد الروسي على البقاء في وضع تمارس فيه ضدهم أنواع العنصرية والاستبداد. كما يخفي هذا الإعلام المصالح الجيوسياسية بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي والخسائر الضخمة التي يتحملها المواطن الأوروبي بسبب التشجيع على استمرار هذه الحرب المجنونة بشكل غير أخلاقي ما دام القتلى من الروس والأوكران.
كاتب وإعلامي بحريني