في نفس السنة التي اعتمدت فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر 1948م، أصدرت ذات المنظمة وثيقة إعلان إقامة دولة إسرائيل التي قامت منذ البداية على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه وحقوقه. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم كان هناك تناقض كبير بين القرارين. فإسرائيل تمارس حروب الإبادة المستمرة ضد هذا الشعب لاقتلاعه من أرضه بالنقيض مع جميع الحقوق التي ناضلت البشرية من أجلها، بما في ذلك حق تقرير المصير وحق مقاومة الاحتلال وضمان الحقوق الإنسانية الأساسية المنتهكة يوميا من قبل إسرائيل. وفي الأثناء تحولت إسرائيل إلى دولة فوق القانون الدولي وفوق القواعد والقيم والحقوق، بل وحظيت بحماية غربية مطلقة وبدعم متواصل. ولذلك هي تمارس الإبادة الجماعية منذ أكثر من 16 شهرا في غزة وفي الضفة من دون رادع بل وبمظلة غربية كاملة.
إن هذه الإبادة الجماعية - والعمل على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم - ليست سياسة جديدة، بل دأبت إسرائيل منذ نشأتها وحتى اليوم على ممارستها. ولكن الجديد أن هذه الإبادة أصبحت علنية، ومصدر فخر وتبرير، فهناك مسؤولون إسرائيليون يدعون علنيا إلى حملة إبادة جماعية لسكان غزة، كتصريح وزير الزراعة الإسرائيلي آفي ديختر: “نحن الآن نشن حملة النكبة في غزة”. كذلك تصريحات أرييل كالنر، عضو الكنيست عن حزب الليكود: “الآن، هدفنا واحد: النكبة! نكبة ستطغى على نكبة عام 1948، إنها نكبة في غزة!”.
إضافة إلى أن عددا من السياسيين الإسرائيليين قد دعوا علنا إلى استخدام السلاح النووي ضد قطاع غزة المدمر والمحاصر.
من الواضح أن الإبادة والترانسفير والتنكيل والتجويع عناصر أساسية في مخطط إسرائيل؛ لفرض سيادة يهودية على كامل فلسطين، وطرد السكان، لأن هذا المشروع مستمر مع استمرار القمع والتهجير القسري وممارسة جميع أشكال القتل والقمع والاضطهاد ومأسسة الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني، والحفاظ عليه في إطار قوانين وسياسات وممارسات تعزز الاستعمار الاستيطاني. ومع اتضاح كل ذلك، فإن أغلب القوى الغربية الكبرى لا تزال مصرة على تبييض الإبادة الجماعية والدفاع عنها وتبريرها، وبالتالي السقوط السياسي والأخلاقي أمام مدارج التاريخ.
كاتب وإعلامي بحريني