العدد 5952
الخميس 30 يناير 2025
بعض أشكال الاعتذار
الخميس 30 يناير 2025

مشهد تدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين من جنوب غزة حيث نزحوا، إلى شمال غزة حيث كانوا، كان من المشاهد الكفيلة بحيرة من يراهم بتمعن، من يرى كل هذا الفرح بعودتهم إلى ديارهم، إلى مساكنهم التي هدمت قوات الاحتلال أكثرها، والشوارع التي عبدتها الدبابات، إلى البنى التحتية التي ما عادت موجودة، وإذا وجدت فإنها أقل من أن تقيم أود هذا الجمهور النازح مجدداً إلى حيث هو.. ومع ذلك كانت البسمات تعلو الشفاه، والروح المعنوية عالية، فلقد قالوها وصدقوا: هم سيرحلون، ونحن سنبقى.. وهذا ما حدث.
طيلة الشهور الماضية، منذ اندلاع الحرب على غزة، والناس مثلنا يسألون عمّا يمكنهم فعله، وما إذا كانت مساعداتهم ستصل فعلاً إلى المحتاجين. هناك من ربط المساعدات التي يفكر بإرسالها بأن تصب في صالح المدنيين فقط، فهم ضحية هذا الدمار، وهناك كثيرون يشككون في نيّات الجهات الجامعة للتّبرُّعات والزّكوات التي تتوجّه إلى غزَّة، وعدد يتساءل عن جدوى إرسال مساعدات تتوقّف في طابور لا متناه من الشّاحنات على الجانب المصريّ، ولا يصل منها إلى القطاع إلا بالقطّارة التي لا تبلّ ريقاً، وتطفئ حريقاً.. وعلى الجانب الآخر يقف المنظّرون الذين يحللون الأوضاع وحسب، إلى جانب المتخاذلين، والبخلاء، والجبناء، والمتصهينين، وغيرهم من الذين يودون لو يصحون على خبر مقتل آخر فلسطيني في غزة، لينتهي هذا الصداع المزمن الذي يسببه لهم هذا الصراع الذي طال أمده. 
بعيداً عن الأصناف الأخيرة التي لا يرجى منها خيراً، فإننا اليوم في فسحة معقولة لنبرأ إلى أهلنا في غزة من عجزنا وفرجتنا عليهم طيلة أيام القصف والدمار والصواريخ التي فاق تأثيرها – مجتمعة – القنابل النووية، وهي فرصتنا للتكفير عن كل ليلة نمناها تحت أسقف بيوتنا آمنين في حين أنهم كانوا، ولا يزالون، يتطلعون إلى أبواب يوصدونها في بقايا بيوتهم، هذا إن تعرّفوا على بيوتهم أصلاً. لدينا الآن بعض العذر بأننا سعدنا وطربنا ورقصنا بعد أن اعتدنا الحرب، وصار الشهداء أرقاماً لا تشكل فارقاً إن زادت واحداً أم قصرت.. إنها فرصتنا لأن نقول لأهلنا في غزة اعذرونا على تقصيرنا عن نجدتكم لأننا فوجئنا بما حدث لكم طيلة خمسة عشر شهراً... هاكم فيض ما لدينا، فأنتم أعلم بالحال.

كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية