يحاول بعض المثبطين على المستوى العربي أن يحرفوا البوصلة ويضللوها باختراع عبارة جديدة، حين يقولونها يعتقدون أنهم بذلك بلغوا ذرى الوطنية ـ وأخذوا من الفلسفة والمنطق بحظ عظيم، وذلك حينما يقولون (والحمد لله أنهم إلى الآن قلّة قليلة): “فلسطين ليست قضيتي... بلدي قضيتي”!
لقد خلقنا الله تعالى متعددين، لنا خياراتنا، ويمكننا إجراء العمليات الحسابية، ومن بينها الجمع، فنجمع بين القضايا التي تهمنا، وهذا أمر طبيعي جدًا، فلسنا – كما أسماهم هيربرت ماركوز – “الإنسان ذو البُعد الواحد”، الذي تسيطر عليه الآلة الإعلامية فتحدد ملامحه، وترسم طريقة تفكيره، وتحدّ من عوالمه، وتجعله منكفئًا على نفسه، ضيّق الحدود والآفاق، لا يعرف شيئًا خارج إطاره الشخصي، ولا يهتم لما يجري للآخرين، ولا يتعاطف معهم، لأن الإنسانية ليست قضيته، ولأن الفقراء ليسوا أقاربه، ولأنه ليس من الضعاف، ولأن المرضى لا يمتون له بصلة، وعلى ذلك يمكن قياس مئات القضايا التي يمكن للمرء أن ينتمي إليها، ويخلص في سبيلها، ويبذل الكثير من ماله، ووقته من أجل نصرتها، من دون أن ينسى نصيب بلاده منه، ومن جهده وحُسن بلائه. إن من يدعو إلى اقتصار الجهد والعاطفة على البلد وحده، هل يمكنه أن يفسر هذه المظاهرات، والمسيرات العالمية الحاشدة لماذا لا تتوقف، ولا تضعف، ولا تتراجع كما تراجعت في غالبية الدول العربية؟ لأن الناس اعتادوا الاهتمام والتعاطف، ولم يعتادوا السكوت على أصغر التصرفات اليومية، كتخطي الطابور أو تجاوز الأنظمة المرورية وكأن البعض خير من بقية الخلق، وهو الوحيد المستعجل الذي يجب أن تفتح له الطرقات.. إلى ذلك، فبلاد المتعاطفين متقدمة على جميع الدول العربية اقتصاديا، وسياسيا، وثقافيا، وعسكريا، بمعنى أن الوطن ينال حظه من العطاء والاهتمام من دون الإشاحة عن حقوق الأخوّة الإنسانية.
لقد قالها نيلسون مانديلا: “ليس حرًا من يرى إنسانًا يهان أمامه ولا يشعر بالإهانة”.
*كاتب بحريني