أيام الجاهلية، قامت الكثير من الحروب بين القبائل، أشهرها – وقد استمرت واحدة منها أربعين عاماً – حرب البسوس، وهي خالة جساس، عندما قُتلت ناقتها، والثانية حرب داحس والغبراء، وهما فرسان لقبيلتين، تسابقا، وهناك اثنان تراهنا عليهما، فأوعز أحدهما لجماعته أن يعيقوا الحصان داحساً حتى تستطيع الغبراء أن تفوز في السباق، ولأن النار من مستصغر الشرر، قامت بين القبيلتين الحرب التي نعرفها.. وعندما يتساءل أهل هذا الزمان: هل من المعقول أن تقوم حرب لأربعين عاماً بين القبائل بسبب البهائم؟! يأتي الردّ بأن هناك أسبابا، وخصومات، وشدا بين القبائل، وتنافسا على المكانة، وحوادث سابقة، وما البهائم تلك إلا ذريعة الحرب، وليست سببها! إضافة إلى الجوانب الدينية، حيث إن كل قبيلة لها آلهتها، وبالتالي فإن هذا الجانب له دوره أيضاً.
وفي منتصف العقد الثالث من الألفية الثانية بعد الميلاد، تأتي “ماعز” لتؤجج حروباً كلامية بين مجتمعات عربية تنقسم إلى “مع” و”ضدّ”، وذلك – كما تتوقعون – نتيجة عرض فيلم “حياة الماعز” على منصة “نتفليكس”، التي لا أقوم بعمل إعلان لها ولا للفيلم، لأن رتبتها متقدمة جداً في الشرق الأوسط من حيث المشاهدات. ليس الحديث هنا عن القصة ما إذا كانت واقعية أم لا، أو تدخل فيها كاتبها نقلاً عن لسان صاحبها الحقيقي أم لا، ولا إن كانت هناك رواية موازية لم يجر ذكرها في الرواية الأساسية أم لا، ولا عن الإقبال الكبير الذي لقيه الفيلم ولم تلقه الرواية التي ترجمت إلى العربية وطبعت قبل عشر سنوات بالضبط، لكن لأننا أمة لا تقرأ في الغالب فلم يعرها الناس كثير اهتمام، ولن أتحدث أيضاً عما إذا كانت الأحداث تتكلم عن حالات ظلم للعمالة الوافدة، منعزلة شاذة، أم أنها صفة عامة في هذه المجتمعات المبتلاة بالمال. لكن في الأسطر المتبقية من مساحتي، أشير إلى الحروب التي يخوضها العرب، من كل الجهات، وعلى كل الاتجاهات، تجاه بعضهم البعض، أخرجت أسوأ ما في النفوس ضد بعضها، والويل كل الويل لمن يلتمس لأحد أفراد فريق أراد التماس العذر للطرف الآخر، عندها يلقى ما يستحق من الطرد من نطاق القبيلة الإلكترونية! على مرّ كل هذه القرون، بقية عصبياتنا هي ما يحركنا، أما العقل: فعليه السلام.
*كاتب بحريني