عندما اختير يحيى السنوار رئيسًا للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خلفًا للشهيد إسماعيل هنية، انقبض قلبي فجأة جراء ارتفاع سقف الطموحات العربية فجأة، والتعلق بأمل جديد، وقيل من جملة ما قيل إن المفاوض قد ذهب وأتاكم المقاتل. أردت أن أهمس في آذان الكتاب والمهللين أنْ رويدكم، فكلنا يعلم أن أهل غزة يقاومون بعظامهم، وقد ضاقت الأرض عليهم، وصار القطاع - على ضيقه واكتظاظه - أضيق من سمّ الخياط على الباقين من البشر هناك.. وما بقي ما عاد صالحًا للعيش، وسيحتاج إلى تعاون أممي لم نر مثله منذ الحرب العالمية الثانية حتى يمكن أن تعود المباني، ولكن هيهات أن يعود ما ذهب.. هذا إن تحدثنا عن توقف العدوان الذي لا تبدو له نهاية.
انقبض قلبي إذ عاد وعادت بي الذاكرة عشرين عامًا إلى الوراء، إلى العام 2004، عندما اغتيل مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين، وحل محله عبدالعزيز الرنتيسي، وتوعد العدو برد مزلزل، ولكنه لم يلبث إلا شهرًا حتى لحق بشيخه ورفيقه شهيدًا. ليست العبرة بأن يستشهد المقاوم الفلسطيني، فهو مشروع شهادة منذ أن اختط هذا الطريق، وهو مشروع شهادة كونه فلسطينيا متمسكا بأرضه، وليست العبرة بالشماتة والفرحة الظاهرة في تل أبيب، في الشوارع والأسواق احتفالًا بقتلهم رجلًا ضمن عشرات الآلاف ممن سبقوه، وليست كذلك بالفرحة المكبوتة بما حدث في دوائر سياسية اسمها الظاهر عربي، كل أمنياتها أن تغمض عينيها في ليلة وتصحو وإذا بالعدو قد أتمّ المهمة، وجرّف القطاع بمن فيه، فيرتاحون جميعًا، كما لا يرتاح صاحب ضرس متقلقل إلا بخلعه.. صحيح أنه سيعيش من دون ألم، وصحيح أن ابتسامته ستكون شوهاء.. لكنه أخيرًا “تخلص” من الوجع المقيم، وأبشّرهم إن هذا سوف لن يحدث! كل الرجاء ألا تنزل قطرة إضافية من دماء الفلسطينيين، فما أريق منها أكثر من الاحتمال، وأن تتوقف معاناة أهلنا في غزة، فليس من يطأ الحديد المحمّى كمن ينام في برودة التكييف، وليس من يركض وراء باراشوت هبات الطعام، كمن لا تغلق أبواب ثلاجته لكثرة ما حملت فيها.
دعونا نرجو أن ينتهي هذا الكابوس برؤوس مرفوعة.. لا مقطوعة.
كاتب بحريني