العدد 5763
الخميس 25 يوليو 2024
وهو في الخصام غير مُبين
الخميس 25 يوليو 2024

لطالما استوقفتني الآية الكريمة (أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ) “الزّخرف: 18”، فكنت أظنها في المنعمين من الرجال الذين نشأوا نشأة مرفهة، لم تحكهم ظروف الزمان، ولم تصقلهم مصائب الدهر، ولذلك فإنهم في الخصام غير أقوياء، وليس لهم رأي بيّن. إلا أن الرجوع إلى سياق الآيات، وقراءة التفاسير تشير إلى أن المقصود به هنا الإناث، وليس الرجال أو الإنسان بشكل عام. وحتى لا ندخل في تفصيل هذا الأمر، فإن الجزء الآخر من الآية بقي في الذهن (وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ).
الرائي اليوم إلى ما يجري من مناوشات على المستويات جميعاً، يجد أن من يتغلب في الحجاج والمخاصمة، ليس هو من يملك الحجة، بل القدرة على الطرح، والدفاع عن الفكرة والموقف، والمناورة الكلامية، واستخدام علم المنطق، وعلم الكلام، والنفس الطويل في المحاججة، وهذه أمور لا يكتسبها المرء من تلقاء نفسه، وإن كان المبدعون في هذا الجانب هم من ذوي الاستعدادات الفطرية، ولكنها بالفعل أمور تدرس، ويجري تحضير جيوش من الناس في الدول التي تود نشر فكرها، ومبادئها، ونظراتها، والتي يهمها كسب المؤيدين والمائلين إلى آرائها، وهذا لا يتم بالصراخ ولا بالترديد ولكن في التفريق بين الدق على الطبل بنغمات وإيقاعات، والتطبيل اللزج القائم على إحداث حالة من النفور لدى الناس بدلاً من اجتذابهم، وما يفعل ذلك إلا المنافقون الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا، والذين يريدون أن يُروا أسيادهم أنهم يقومون بواجباتهم خير قيام. إن ما شهده العالم منذ أشهر (بدأنا نخطئ في عدها) من مناظرات غربية في الغالب، تشير إلى أهمية أن يكون الإنسان مُبيناً في الخصام، قادراً على طرح الحجة، ليس هذا وحسب، بل وكيفية إدارة الخصام والكلام، وقلب الطاولة على الطرف الآخر، ولو امتلك أدلة وبراهين، فاليوم يوم من له لسان وقادر على بيع الكلام وتسويقه.
لا شك أننا أمام واحدة من التحديات في إعداد أكثر من مجرد “أنفار” ليتولوا المحاججة، والذبّ عنا وعن ما نراه الحق، وهو حقاً حقٌّ يجب ألا يذهب ضحية عجزنا وكوننا في الخصام غير بلغاء مبينين.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .