أرسى سلطان عمان قابوس بن سعيد (رحمه الله) قاعدة راسخة في الواقع العماني، وهي عدم الخوض في الحديث المذهبي بما قد يشم منه الذهاب إلى الجفوة، التي تؤدي إلى الفرقة، والتي قد تقود إلى ما هو أعظم من ذلك كالاحتراب. ونجحت هذه السياسة في تجنيب السلطنة أيا من المظاهر المسلحة من بعد "ثورة ظفار" حتى لم يُسمع صوت رصاصة واحدة خارجة عن القانون في هذا البلد الشاسع الذي عاش متآلفا طيلة هذه السنوات.
وحتى لا نسبق التحقيقات، ونتقوّل بما قد لا يعدو اللغو والكلام المطلق غير الواقف على أرضية صلبة؛ فإن العودة – ربما قريباً – إلى مناقشة الموضوع حين يتضح المزيد من الحقائق، وتنجلي الصورة، ولكن ما حدث في أثناء السويعات الفاصلة ما بين إطلاق النار حتى إخماد مصادره، كانت له عدة أوجه.
الوجه الأول، تماسك الشعب العماني الذي استنكر الحادثة من ألفها إلى يائها، وتمسكه بوحدته الوطنية، مستذكراً ما تربت عليه الأجيال الغالبة اليوم على تلك الأرض، منذ 1970، وتغليب الحكمة على كل ما عداها من ردود أفعال. والوجه الثاني، عدم إعلان أية جهة مسؤوليتها عما حدث، وعدم تبني الرأي القائل باستخدام السلاح في أي خلاف أو شقاق قد يحدث، وذلك مصداق لرفض المجتمع العماني - بكل تلاوينه - لما حدث، ورفضه لريّ جذوره حتى لا تأتي ثماره مرّة كالتي تدلّت منتصف هذا الأسبوع. أما الوجه الثالث، وهو وجه يستقبح في أي موقف، وهو قيام بعض طلاب الشهرة، أو الواقفين على حدود الفتنة يوشكون أن يقعوا فيها، بتركيب مقاطع فيديوهات وأصوات مستنكرة لا تفعل شيئاً إلا زيادة النيران حطباً، ولكن سرعان ما يئس دعاة الفتنة إذ تصدّى لهم الوعي الجمعي العماني ليئدوا الفتنة في مهدها.
نعم، هو اختبار وابتلاء، ولنا ثقة بالله بوعي الشعب العماني أن يتجاوزه بنجاح ويعود له صفاؤه الذي عرفناه به، والذي يقول عنه الشاعر الشعبي العماني حمود بن وهقة: "هذي عمان إن كنت ما تعرف عمان.. عقولنا ثوب التطرف رمنّه".