العدد 5728
الخميس 20 يونيو 2024
مهنة المتاعب؟! حقاً؟!
الخميس 20 يونيو 2024

لم أملك الابتسام بسخرية وأنا أقرأ لأحد الزملاء شاكيًا مهنته (الصحافة) مطلقًا عليها - بمجانية لا تبارى - اللقب المبتذل: “مهنة المتاعب”.
عندما استشهدت الصحافية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة في الحادي عشر من مايو 2022، سارع كتاب كثر لنعيها واصفينها بـ “الزميلة”.. صحيح أنها ابنة المهنة ذاتها، ولكن يا له من بون شاسع، بل “أشسع” مما نظن لو قلنا إننا ننتمي إلى المهنة ذاتها، كم سنكون مبالغين إن قلنا إننا صحافيون - وصحافيات - ميدانيون وأبوعاقلة صحافية ميدانية.. كم سنقترف الكذب لو قلنا إننا لما نجلس لنستريح من متاعب مهنتنا على دكة في ظهر بيت على الشارع، قد نتصادف مع شيرين تلتقط أنفاسها من التعب، فنكون زملاء حقًا. لم تتلق شيرين رصاصة الغدر إلا بعد أن استكملت لبس الدرع الذي كتب عليه “صحافة”، هذا الدرع نفسه تحولت عبارته إلى “هدف” منذ السابع من أكتوبر الماضي، فمعنى أن يستشهد أكثر من 151 صحافيًا وصحافية، لأنهم يمارسون عملهم، فهذا ما لم يعرفه التاريخ الحديث طيلة حروبه.
فالحرب العالمية الثانية التي استمرت ستّ سنوات (1939 – 1945) وخلفت ضحايا يقدّر عددهم ما بين 55 مليونًا و85 مليونًا، وامتدت رقعتها على أكثر من دولة في أوروبا وآسيا وأفريقيا والولايات المتحدة، لم يقتل فيها أكثر من 63 صحافيًا. وحرب فيتنام التي استمرت عشرين عامًا (1955 – 1975) وراح ضحيتها أكثر من مليوني نفس، قضى فيها من الصحافيين ما لا يزيد عن 69 صحافيًا، ويقال إن جانبًا لا بأس به من الصحافيين لم يأخذوا احتياطاتهم، أو أنهم غامروا مغامرات غير محسوبة في الاقتراب من الحدث، أو أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين. أما الحرب على غزة وهي تستعد للدخول في شهرها التاسع، فإن الصحافة فيها مستهدفة، وملاحَقة، ومرصودة، المكاتب الصحافية مرصودة، والصحافيون، وأسرهم، وتحركاتهم، حتى يُستكمل عزل غزة عن عيون العالم، لتجري الجريمة من دون شهود، لذا يجري تجريف المشهد الصحافي في غزة، فلا مراسلون عالميون يدخلون، ولا صحافيون غزيون آمنون على حياتهم.. ثم يقول قائلنا إنه يعمل في مهنة المتاعب!
*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .