منذ حوالي خمسين عامًا، بدأ وعيي يتفتح على القضايا الكبرى لأمتنا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأشهد كم العجز والخور العربي في مواجهة العربدة الصهيونية، لكن ما يصبر صبيا في مثل سني يقارع أبواب المراهقة التي تتفجر فيها الطاقات التي تريد أن تحيل الظلمات إلى نور، وتعدل كفتي الميزان من بعد ما فقدتا التوازن... ما أقرأه بين الفينة والأخرى بأن هذا الكيان الغاصب المحتل قد أوشك على الانهيار، وما هي إلا سنوات قليلة ولن نرى من تدّعي نفسها “دولة إسرائيل”.
مرت أعوام تلو أعوام، ووسائل الإعلام لا تريد أن تغادر هذه النبوءة، مرّة لأن الديون تسيطر عليها، ومرة لأن مجتمعها متحلل فاسد، وثالثة لأن الهجرة من الكيان أكثر من الهجرة إليه، ومرة تلو المرة، نصدق هذا السبب، ثم نقدم عليه سببا آخر تفتقت عنه ذهنيات المحللين، التي لا شك أن بعضها يستقرئ ويجتهد، لكنني بت أعتقد أن الأكثرية منهم يبيعون الوهم ليس إلا. في درس التاريخ العربي الإسلامي، نربط الفتوحات العظمى التي تمت في صدر الإسلام، وتداعي امبراطوريتين عظيمتين تحت سيوف الشُّعث الغُبر من العرب الأقل عددًا وعتادًا، والأضعف بنية، والأقل تنظيمًا قياسًا بانضباط الجيوش النظامية؛ بنصر الله لجنده، والإيمان الذي ملأ قلوب المسلمين. وهذا صحيح.. لكن المحللين الغربيين كانوا يضيفون إلى ذلك أن تلكما الحضارتين كانتا متآكلتين من الداخل، ضاعت فيهما القيم، وباتت التراتبيات بحسب الأهواء، وأسندت المسؤوليات لمن هم ليسوا بأهلها، وكثر الظلم والضرائب، وانتشار العسس والتخويف، واجتلاب الأجانب المرتزقة ليكونوا عماد الجيوش، فعن أي قيم ومُثل سيدافعون؟! التقت كل هذه العوامل من الجانب العربي الإسلامي بعنفوانه، والجانب الروماني شمالًا والفارسي شرقًا بكل هشاشتهما، فتوافقت الأسباب المؤدية إلى صعود حضارة جديدة على حسابهما، وهكذا حال كل الدول والحضارات.
في واقعنا اليوم، “ربما” تصدق التقارير والتحليلات التي تقول عن الكيان المحتل والمختل ما تقول، وبدا أنه أضعف وأجبن مما يروج عن نفسه، ولكن.. ألا يحتاج سقوطه إلى من يدفعه بقوة وعزيمة كالتي كانت لدى الفاتحين الأوائل لينهار؟! لأن تركه هكذا كترك السن المتقلقل متقلقلًا، ومن دون خلعه سيبقى مكانه.
* كاتب بحريني