العدد 5707
الخميس 30 مايو 2024
ما لا أود قوله
الخميس 30 مايو 2024

دعيت في الآونة الأخيرة أكثر من مرة للحديث عما يجري في غزة تحديداً، وفي عموم فلسطين أيضاً، خصوصاً مع تقاطع هذه الفعاليات مع الذكرى السيئة لقيام الكيان المحتل، لكنني اعتذرت لعدة أسباب، ورشحت في الغالب من هو أكثر اطلاعاً، ومعرفة، غير تلك العبارات التي نسمعها جميعاً في الأخبار، حينها سأكون زائداً عن الحاجة على المنصة، لا إضافة إليها. لكنني لو قبلت أياً من هذه الدعوات للحديث، فإنني لن أتحدث عن الجرائم والفظائع التي يمارسها العدو البربري، والتي – وعلى الرغم من الخسائر البشرية التي لا يمكن حصرها حالياً – تجعل العدو يخسر الكثير من التعاطف العالمي الأعمى معه، ويسقط جدران السرديات التي دأب على تدبيجها لعقود مضت عن مظلوميته، وتعرضه للتهديدات الوجودية، ولن أشير إلى الانتصارات المعنوية للمقاومة الفلسطينية، أياً من كان يمثلها.. بل سيتجه حديثي إلى ديداننا التي تأتي من بطن الأمة العربية ذاتها.
هذه الديدان التي مهّدت للعربدة الإسرائيلية على المستوى الشعبي بمحاولات تثبيط الهمم، بأن “فلسطين ليست قضيتي”، وصار هناك تعبير يروج في السنوات – لا أقلّ من العشر الماضيات – يتحدث عن “عرب الشمال”، بمعنى “ما لنا ولهم؟!”، وترويج صور نمطية عن الفلسطيني، سواء بمحاولة توطين كذبة أنه من باع أرضه في الأساس لليهود، وعاد اليوم يبكي عليها ويطالب الدول والجيوش لخوض الحروب نيابة عنه لاستعادتها، وأقل ما يقال عن هذا الكلام، وأكثر ما يمكن أن يكون مهذباً: إنه كذب صراح.. أو يحاول البعض استلال ذكريات سيئة لتصرفات فردية من هنا وهناك لفلسطينيين عاشوا وإياهم في مواقف محددة ليجري إلقاء اللوم كله والعتب على شعب بأكمله، وإن توفر في القائلين النضج الذي يقول بعدم التعميم، وألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن الصور النمطية التي نروجها عن بعضنا تكفي الأعداء مؤونة أن يزرعوا البغضاء فيما بيننا.. فنحن نحرث أرضها، وننثر بذورها، ونداوم على سقايتها حتى تقف على ساقيها ويصعب اقتلاعها من نفوس الشعوب العربية بين بعضها البعض، وتكفي مباراة كرة قدم واحدة بين فريقين أو منتخبين عربيين ليظهر ما تحت سطح المجاملات المتهالك. هذا ما لا أودّ قوله، ولا أود أن أزيده ترسيخاً ونشراً، لكنه واقعنا اليوم الذي لا فكاك منه.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .