الاقتراحات برغبة من الأدوات البرلمانية التي تُمنح لأعضاء مجلس النواب بهدف اقتراح حلول أو تحسينات في السياسات العامة أو القضايا المجتمعية، ومع أن هذه الآلية تُعتبر أداةً مهمة لتفعيل دور النواب في نقل هموم المواطنين، إلا أن بعض الاقتراحات التي تقدم تثير الجدل من حيث جدواها وتأثيرها الفعلي على تحسين الواقع، حيث يتجه بعض النواب إلى طرح اقتراحات بعيدة عن المشكلات الحقيقية التي تواجه المجتمع، مثل التركيز على مبادرات أو أفكار صعبة التطبيق في الوقت الراهن، وهذا يؤدي إلى هدر الوقت والجهد الذي يمكن استثماره في مناقشة قضايا أكثر تأثيرًا، فبسبب غياب التخطيط أو الدراسات اللازمة يتم تقديم الاقتراحات بدون فهم عميق لاحتياجات المجتمع والموارد والميزانيات المتاحة، ما يؤدي إلى طرح أفكار غير قابلة للتنفيذ أو لا تتماشى مع الإمكانيات.
كما أن بعض الاقتراحات تعد وسيلة للظهور الإعلامي وكسب الشعبية، دون النظر إلى تحقيق قيمة مضافة حقيقية، وفي بعض الأحيان يتم طرح نفس الأفكار التي سبق مناقشتها أو رفضها، ما يؤدي إلى تعطيل سير العمل التشريعي بدلًا من الابتكار. من وجهة نظري، من أهم أسباب ذلك ضعف الخبرة البرلمانية لبعض النواب، وعدم امتلاك بعض الأعضاء الكفاءة أو الخبرة الكافية لفهم دورهم التشريعي، بالإضافة إلى غياب الرؤية الاستراتيجية وقلة التوجه نحو تخطيط بعيد المدى لحل المشكلات، ومحاولة بعض النواب كسب تأييد جماهيري سريع من خلال مقترحات سطحية.
وكنتيجة لما سبق ذكره، يشكل ذلك إهدارًا للوقت والموارد، وبدلًا من استثمار وقت المجلس في مناقشة قضايا حيوية، فإنه يتم هدره في اقتراحات لا تحقق قيمة مضافة ولا تغني ولا تسمن من جوع.
كما أن المواطن يلاحظ أن اقتراحات النواب بعيدة عن احتياجاته الفعلية، كما أن الاهتمام بالقضايا الثانوية يُؤخر معالجة الملفات المهمة مثل الإسكان، التعليم، والصحة وغيرها من الأمور المتعلقة بالتنمية المستدامة.
ويكمن الحل عندما تخضع كل اقتراحات النواب لتقييم مسبق يضمن جدواها وقابليتها للتنفيذ. وتوفير برامج تدريبية للنواب الجدد لتعزيز فهمهم دورهم ومهماتهم التشريعية، وكذلك التوجه نحو وضع خطط واضحة للتركيز على القضايا الأساسية التي تهم المواطن البحريني. بالإضافة إلى متابعة مدى تنفيذ الاقتراحات التي تمت الموافقة عليها وتقييم أثرها على الواقع.
وليسمح لي القارئ العزيز أن أعطي مثالا حيا على بعض تلك الاقتراحات غير المجدية، تمرير مجلس النواب اقتراحا برغبة مقدما من أحد أعضاء المجلس بخصوص إعفاء المواطنين من الرسوم الخاصة بخدمات الإدارة العامة للمرور.
هذا المقترح برغبة على الرغم من أنه يصب في مصلحة المواطن من خلال إعفائه من الرسوم المرورية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا حدد النائب الإدارة العامة للمرور عن غيرها من الوزارات والهيئات الحكومية؟ ألا تعتقدون أن الاقتراح بقانون غير كاف وغير منطقي ويفتقد الشمولية، حيث إن المواطن يقوم بدفع رسوم مالية للخدمات التي تقدمها الحكومة في مؤسساتها المختلفة مثلها مثل جميع الدول الأخرى، وهذا من حقها، وكما ذكر رد الإدارة العامة للمرور بأن هذه الرسوم عبارة عن رسوم مقابل تقديم تلك الخدمات وليس لزيادة مواردها المالية. وحتى إن كانت كذلك فإن هذه الإيرادات تدخل في خزينة الدولة، ناهيك عن أن ذلك سيؤثر سلبا على برنامج التوازن المالي للدولة واستقرار الإيرادات غير النفطية.
ألا تعتقدون بأن الاقتراح بقانون ناقص وضعيف في محتواه، فمثل هذه الاقتراحات برغبة أصبحت لا تهم المواطنين لأنهم يدركون أنها غير منطقية وغير مقبولة ولا يوافق عليها مجلس الشورى.
إذا من الأجدر تقديم مقترحات أخرى مدروسة بعناية وبشكل علمي وليس لمجرد تقديم أية اقتراحات!
الخلاصة.. مجلس النواب يمثل صوت الشعب، ويتطلب دوره تقديم اقتراحات تصب في مصلحة الوطن والمواطن. ومع ذلك، يجب أن يتحمل النواب مسؤوليتهم كاملة في تقديم أفكار مدروسة ومجدية تساهم في بناء مستقبل أفضل، بدلًا من الانشغال باقتراحات غير ذات جدوى. والله من وراء القصد.
كاتب وإعلامي بحريني