العدد 5888
الأربعاء 27 نوفمبر 2024
فكرة ولا أروع
الأربعاء 27 نوفمبر 2024

 تقليد أو تطبيق فكرة ناجحة في العمل الخيري أو الإنساني نهج ذكي يمكن أن يساعدك في تحقيق تأثير ملموس بسرعة، خصوصًا إذا كانت الفكرة قد أثبتت نجاحها في مكان آخر. على سبيل المثال: حملات جمع التبرعات، تقديم الدعم الغذائي أو الصحي، بناء منصات تعليمية مجانية، حملات خيرية في دعم المحتاجين والأيتام والفقراء وغيرها، لكن من المهم التأكد من ملاءمتها احتياجات مجتمعاتنا، فليس كل ما ينجح في مكان آخر مناسبًا لبيئتنا المحلية، ففي كثير من الأحيان نحتاج إلى الابتعاد عن الطرق التقليدية للحصول على الدعم اللازم لأي مشروع خيري، فالتفكير خارج الصندوق أو ما يسمونه بالعصف الذهني من الأمور المهمة في مجال التسويق لأية حملة أو مشروع، فالكثير من الجمعيات الخيرية والأهلية تفتقد هذا النوع من السياسات التي تجعل من الصعب الحصول على التمويل المناسب.
مناسبة هذه المقدمة هي أنني كنت في زيارة للعاصمة البريطانية لندن، وهناك علمت بتنظيم حملة خيرية لجمع التبرع The ever after Garden لدعم الأبحاث والدراسات العلمية والأجهزة الطبية لعلاج مرضى السرطان، وتكمن الفكرة الجميلة والراقية من قبل The Royal Marsden Cancer Charity  في التبرع بوردة بيضاء مضيئة وغرزها في حديقة Grosvenor Square التي تم تخصيصها لهذه المبادرة مقابل 10 جنيهات أسترلينية كحد أدنى، حيث إن الحديقة ستضيء بفضل تلك الورود الجميلة، وتكون مفتوحة للجمهور من الساعة 3 إلى 9 مساء. إذ يقوم المتبرع بغرزها وكتابة رسالة معينة في روح أي فقيد عزيز عليه أو من يتمنى لهم الشفاء العاجل. 
هذه المبادرة بدأت بتاريخ 14 نوفمبر وتستمر حتى 18 ديسمبر من هذا العام. وبحسب القائمين على هذا المشروع، فإنه من المؤمل جمع حوالي 30,000 وردة! تصوروا إذا عملنا حسبة بسيطة وسريعة وأخذنا في الحسبان الحد الأدنى من التبرع (10 جنيهات) فإنهم سيتمكنون من جمع 300 ألف جنيه استرليني! وللعلم وبحسب الأرقام الرسمية فإن الجمعية جمعت 870 ألف جنيه استرليني منذ بداية الحملة التي بدأت عام 2019.
وقد علمت بأن هذه الفكرة أخذت من كوريا الجنوبية التي بدأتها عام 2014، وبادرت بريطانيا بتطبيقه عام 2019. فهذا المرض الخبيث أخذ الكثير من أحبابنا ويؤلم الكثير من مرضانا، اللهم ارحم من توفى منه واشفِ من يعاني منه.
 هذا حال الدول المتقدمة، لا تدعي الكمال وتأخذ أو تقلد الأفكار الخلاقة والمبدعة وتطبقها عندها حين تدرك أنها ناجحة وتحقق أهدافها! هذه الثقافة الراقية الذكية التي تعكس مدى تميز وتطور مجتمعاتهم، على النقيض عندنا، فتقليد غيرنا يعتبر أمرًا غير مقبول ولا يمكن تقبله!
مجتمعاتنا العربية والخليجية أقولها بكل حسرة وألم تكابر على ذلك ولا تفكّر أبدًا بتقليد الأفكار الكثيرة الناجحة! وبصراحة تامة وبعيدًا عن النفاق والمجاملات، أنا أستغرب كثيرًا من هذه الثقافة أو العقلية! دول الخليج العربي على سبيل المثال وليس الحصر تملك الكثير من القصص والتجارب الناجحة ليس على المستوى الخليجي فحسب، بل على المستوى العالمي.
وبودي أن تقوم إحدى الجمعيات الخيرية بدراسة هذه الفكرة، وليس شرطًا أن تكون المبادرة لمرضى السرطان، لكن لأي هدف إنساني أو خيري يصب في المصلحة العامة، فهذه المبادرات تلقى اهتمامًا منقطع النظير من قبل المجتمع المدني وحتى الوافدين وزوار المملكة. 
وكما ذكرنا في مقالات سابقة مرارًا وتكرارًا فإن الطقس في المملكة يكون رائعًا لمدة 5 أشهر على أكثر تقدير، إذ إنه من المهم استغلال هذه الفترة بشكل جيد ومفيد يعود بالخير والنفع على هذا الوطن الغالي. 
 في المقابل، أتمنى تقديم الدعم اللازم لتلك الجمعيات وعدم وضع عراقيل أمام هذه المبادرات الخلاقة التي هي في نهاية المطاف إضافة لثقافة العمل التطوعي، حيث شباب الوطن من الجنسين معروف عنهم حب العمل التطوعي، وهناك قصص للكثير من المشاريع الشبابية الناجحة.
كما أن هذه المبادرات تكون مصدر جذب للكثير من زوار المملكة ويكون لها صدى في الخارج. 
أحيانًا لا نحتاج إلى ميزانيات ضخمة لتنظيم هذه الفعاليات، إنما فقط التعاون بين الجهات المعنية الحكومية والخاصة والعمل بروح الفريق الواحد. قال تعالى “وتعاونوا على البر والتقوى”.. والله من وراء القصد.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .