تعد اللغة العربية جزءًا أساسيًا من هويتنا وثقافتنا، وتُعتبر من أقدم وأغنى اللغات في العالم. اللغة العربية هي إحدى أقدم اللغات السامية وأكثرها تأثيرًا في العالم، فهي لغة مقدسة عند المسلمين، لأنها لغة القرآن الكريم، وهي بذلك تحمل قيمة دينية وثقافية كبيرة، كما أنها لغة التراث الأدبي والثقافي العربي، وتضمّ بين مفرداتها وألفاظها العديد من الحكم، والأمثال، والشعر الذي يعبّر عن عمق الحضارة العربية وتاريخها الطويل، ومع ذلك نشهد اليوم ضعفًا في إتقان أبنائنا هذه اللغة، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، من بينها طريقة تربيتنا واختيارنا التحدث معهم باللغة الإنجليزية بشكل مستمر، حتى في محيط المنزل، ومع إصرار الآباء والأمهات على هذه الممارسة، يتزايد خطر ضياع الهوية اللغوية الوطنية.
فيلجأ بعض الآباء والأمهات إلى التحدث بالإنجليزية مع أبنائهم ظنًا منهم أن هذا يعزز فرصهم في الحياة المستقبلية، ويمنحهم ميزة تنافسية في الدراسة والعمل. إلا أن هذه العادة قد تنعكس سلبًا على مستوى إتقانهم اللغة العربية، إذ لا تتوفر لديهم الفرصة الكافية لاكتساب المهارات اللغوية الأساسية بلغتهم الأم، ما يؤدي إلى ضعف تواصلهم وإحساسهم بالانتماء الثقافي والوطني. كما يعتبر التأثر بالبيئة المحيطة ووسائل الإعلام التي غالبًا ما تقدم محتوى بلغة أجنبية سببًا آخر لضعف اللغة العربية. فالمتابعة المستمرة للأفلام، والمسلسلات، والمحتوى الإلكتروني بالإنجليزية يخلق حاجزًا أمام الأطفال لإتقان لغتهم الأم ويحد من تطور قدراتهم في اللغة العربية.
ويترتب على ضعف إتقان اللغة العربية مشكلات اجتماعية وثقافية متعددة، منها فقدان الهوية اللغوية التي تربط الإنسان بجذوره وثقافته. فاللغة ليست وسيلة للتواصل فحسب، بل هي أيضًا وعاء الثقافة والتراث والتاريخ. إن إهمال تعلم اللغة العربية يؤدي إلى فقدان الارتباط بالهوية الوطنية والانفصال عن التراث والقيم.
فالأطفال الذين لا يتقنون العربية سيواجهون حتما صعوبة في فهم النصوص الدينية والكتابات الأدبية التي تحمل المعاني الثقافية العميقة، ما يجعلهم أقل قدرة على فهم تعاليم دينهم وتقدير موروثهم الأدبي والفكري.
ولتعزيز إتقان اللغة العربية لدى أبنائنا، يجب أولًا أن يبدأ التغيير من داخل المنزل، حيث ينبغي على الأهل الحرص على التحدث بالعربية مع أطفالهم بشكل يومي وإظهار فخرهم بها. ويمكن دعم ذلك من خلال قراءة الكتب والقصص العربية، والحرص على استماع الأطفال للمحتوى العربي الجيد. فكثير من الآباء يطلبون من المربيات أو الخادمات الجلوس مع الأطفال وقراءة قصة لهم عندما يحين وقت نومهم. ويمكن تعزيز اللغة العربية من خلال دمجها في التعليم بشكل مميز، بحيث تكون المادة الدراسية ممتعة وجاذبة للطلاب، ما يعزز حبهم اللغة ويسهم في إتقانها.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في هذا المجال، من خلال إنتاج برامج ومسلسلات هادفة باللغة العربية، تسهم في بناء ارتباط الأطفال بلغتهم الأم وتعزز شعورهم بالانتماء لها.
مناسبة هذه المقدمة الطويلة هو تداول مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإحدى الشخصيات وهي تلقي كلمة في أحد المحافل الدولية، وقد فوجئ الجميع بأن لغتها العربية لم تكن جيدة، وأنا لا ألوم هذه الشخصية لأنها كبرت ودرست وعملت بهذه الطريقة ولم تطور لغتها الأم، وقد تكون ذكية جدا ومتألقة في عملها، ولا تستطيع تغيير ذلك في ليلة وضحاها.
الخلاصة.. إن إتقان اللغة العربية ليس مجرد مسألة لغوية، بل هو جزء أساسي من بناء الهوية الوطنية والشعور بالانتماء. إن غرس حب اللغة العربية في نفوس أبنائنا يتطلب التزامًا وجهدًا مشتركًا بين الأسرة والمدرسة والمجتمع ككل، لتبقى لغتنا العربية حية ومتأصلة في أجيالنا القادمة، متجددة ومحافظة على مكانتها. قال تعالى: (إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
كاتب وإعلامي بحريني