اعتاد المجتمع البحريني في أوائل القرن العشرين الاستماع إلى القصص والحكايات على لسان كبار السن في المجالس التي يسهرون فيها طوال أيام السنة، وتلك عادة توارثتها الأجيال. وكان الاستماع إلى القصص والحكايات الشعبية في تلك الفترة بمثابة الوسيلة الوحيدة لقضاء وقت فراغ ممتع بعد الجهد وعناء العمل إما في مجال البحر للصيد أو الغوص عن اللؤلؤ أو في مجال الزراعة وبصورة خاصة زراعة النخيل.
كان المترددون على المجالس يصغون باهتمام شديد في الليالي المضاءة بالفوانيس التي تعمل بالكيروسين (الفنر)، للحكواتي أو القاص وهو يحكي قصته التي عادة ما تكون مفعمة بالرومانسية وذكريات الأمجاد والبطولات، وكثير منها يتعلق بالأساطير والخرافات. واستمر الحال هكذا حتى بدأت القصة المكتوبة تطل برأسها من خلال الصحافة، وهي بالطبع قصص قصيرة وذلك اعتبارًا من أربعينيات القرن العشرين.
مرت كتابة القصة في البحرين بثلاث مراحل ساهمت الصحافة المحلية وكذلك إذاعة البحرين في إبرازها. وتتمثل المرحلة الأولى من نشأة الصحافة في البلاد حين أفسحت (جريدة البحرين) لصاحبها عبد الله الزايد الصادرة في الفترة من عام 1939م إلى عام 1944م بنشر المحاولات الأولى لكتابة القصة القصيرة. وكان كتاب القصة يخفون أسماءهم تحت أسماء مستعارة في البدايات الأولى. ومن بين القصص التي كتبت باسم مستعار أو مجهولة المؤلف، قصة (يوم إنزال السفن) و الذي أشير إلى كاتبها بحرف (ع) ونشرت في (جريدة البحرين) في العدد الصادر في 16 سبتمبر 1943م.
وحري بالذاكر فإن ظاهرة عدم ذكر اسم مؤلف القصة كانت منتشرة في تلك الفترة من الزمن، توجسًا من نظرة المجتمع حينذاك إلى كتّاب القصة بأنه أدب هابط. وشمل ذلك التوجس المقالات الخاصة بحث الجمهور على قراءة القصة. فقد نشرت (جريدة البحرين) في عددها الصادر في يناير من عام 1941م مقالة تشجع على قراءة القصة بعنوان (لماذا نقرأ القصة؟) دون ذكر اسم كاتب المقالة. لم يكن هناك إدراك كامل لمفهوم القصة وعناصرها في البدايات الأولى. لقد تم الخلط بين القصة والرواية، حتى أن عبد الله الزايد صاحب (جريدة البحرين) نشر في العدد 196 الصادر في ديسمبر 1942م قصة قصيرة أطلق عليها (رواية) دون أن يذكر لها عنوان.
يعد الكاتب محمود يوسف أول من بدأ تجربة كتابة القصة بعناصرها الفنية ونشرها في جريدة البحرين وهي قصة (حائرة)، مستخدمًا إسمه الحقيقي. فقد أكد الدكتور إبراهيم غلوم في كتابه (القصة القصيرة في الخليج العربي) أن قصة (حائرة) أول قصة بحرينية قصيرة تنشرها (جريدة البحرين) وتتوافر فيها الكثير من الشروط الفنية لكتابة القصة القصيرة. وواصل محمود يوسف نشر قصصه في الجريدة ومنها قصة (بين سارق وبخيل)، وقصة (الشاعر).