تلقيت دعوة كريمة لحضور مجلس سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، واستقبال جلالته كبار أفراد العائلة المالكة ورئيسي مجلسي النواب والشورى وكبار المسؤولين وعددا من الأهالي وأصحاب الإنجازات، ولا شك أن حضوري مجلس جلالته العامر شرف كبير لي وفرصة رائعة واستثنائية للسلام على جلالته، فالحضور كانوا يمثلون مختلف التخصصات والأعمال، ومن جميع محافظات المملكة.
وفي بداية اللقاء، رحب جلالته بالجميع، منوها بأنها من العادات العربية الأصيلة، إذ نشأ عليها أهل البحرين الكرام منذ عقود طويلة، ويحرصون على المحافظة عليها واستمرارها لما لها من دور كبير في توثيق الترابط والتكاتف وعلاقات الأخوة والمحبة فيما بينهم. وبالرجوع إلى كلمة جلالته التي خص بها الإشادة بالنتائج المتميزة لبرنامج العقوبات البديلة لوزارة الداخلية وكوادرها المخلصين، أعرب جلالته عن فخره بكون البرنامج الأول من نوعه على مستوى المنطقة، إذ بادرت مملكة البحرين بمؤسساتها الدستورية والتنفيذية، وفي سياق حرصها المستمر على تطوير المنظومة الجنائية، بأن تكون لها تجربتها الخاصة في هذا المجال، وبتشريعات وسياسات تعتمد نهج العدالة الإصلاحية المعززة للحقوق الإنسانية. فقد وجدت في مضامين كلمة جلالة الملك المعظم حبه الكبير لأبناء الوطن وقناعته التامة بهذا المشروع الذي أثبت نجاحه محليا ودوليا، وشهد إشادات من المنظمات والمؤسسات الحقوقية الدولية. وأكد معالي وزير الداخلية في كلمته أن هذا القانون يقف وراءه سيدي جلالة الملك بفكره المستنير وتوجيهاته الحكيمة وتأكيده أن شباب الوطن لا تكون مكانهم السجون، بل احتضانهم من قبل الأهل والمجتمع والوطن، وتهيئة فرص التعليم والمشاركة الفاعلة في بناء وتطوير ونهضة الوطن الغالي.
لقد سعدت كثيرا بأنه ومنذ بدء تطبيق البرنامج فعليا في العام 2018، ساهم منذ تطبيقه حتى الآن بإعادة تأهيل وإدماج 7458 مستفيدا، وما يؤكد النجاح المميز لمنهجية العمل نسبة التزام المستفيدين، التي بلغت 97.5 %، وقد لاقى تطبيق برنامجي “العقوبات البديلة” و “السجون المفتوحة” إشادة على المستوى الإقليمي والدولي، وحصلت تلك البرامج على جائزة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز للأمن العربي، وعلى شهادة الاعتماد الدولية من الجمعية الإصلاحية الأميركية.
وفي ذات السياق أرى أن الغرض من العقوبة تحقيق الردع سواء الخاص أو العام، وقد ثبت للمعنيين أن العقوبة السالبة للحرية ليست دائما هي التي تحقق الأهداف المرجوة؛ لذلك اتجه الفكر القانوني إلى إيجاد بدائل لهذه العقوبة التقليدية عبر إصلاح وتأهيل المحكومين بمثل هذا الفكر في نظام العقوبات البديلة.
ناهيك عن أنه أصبح الهدف المنشود حاليا من العقوبات إصلاح وتأهيل المحكوم عليه وليس الهدف التقليدي الذي كان سائدا قديما، وهذه العقوبة وجدت توازنا بين حرية الإنسان وكرامته، وأيضا حق المجتمع في الزجر والحد من ارتكاب الجرائم، فالعقوبة البديلة أوجدت حلا جذريا لكل المشكلات التي صاحبت تطبيق العقوبات التقليدية، وأصبح مبدأ الإصلاح والتأهيل الهدف الأسمى المنشود من فرض هذه العقوبات.
وهذا بحد ذاته يعبر عن الحفاظ على حرية وكرامة الإنسان، وأيضا له بعد إنساني كبير؛ لأن المحكوم عليه أولا وأخيرا إنسان، وإن كانت الظروف قد شاءت أن يكون في هذا الموقف، ويجب أن نفكر جميعا في عملية إصلاحه وتأهيله، عسى أن يعود عنصرا فاعلا في تنمية المجتمع بصورة عامة، وهذا التوجه نصت عليه المواثيق الدولية. كما أن العقوبة البديلة ليست إفراجا عن الشخص، بل هي عقوبة وتحقق أيضا الأهداف المنشودة، بالإضافة إلى أن إلغاء شرط قضاء نصف المدة وأيضا منح الحق للجهة المعنية في وزارة الداخلية بأن تطلب تطبيق العقوبات البديلة حتى قبل أن ينفذها المحكوم ضده، ستزيد من عدد المستفيدين، ويعد ذلك توسعا محسوبا لمملكة البحرين ودليلا على مسايرة المملكة أحكاما واتفاقيات دولية انضمت لها، وأيضا في ذات الوقت تطبيقا لمبادئ أقرتها الأمم المتحدة بشأن السجناء والموقوفين والعقوبات والإجراءات المختلفة، وهذا يؤكد المكانة الحقوقية التي وصلت لها المملكة، والحرص الذي تبديه دائما في تطبيق ومراعاة حقوق الإنسان بصورة عامة وحقوق المحكومين والنزلاء ومراكز الإصلاح والتأهيل على وجه الخصوص.
الخلاصة.. قانون العقوبات البديلة يعد من أهم الإنجازات الحقوقية التي عززت ترابط النسيج المجتمعي، وساهمت في الاستقرار الأسري، وخفض معدلات الجريمة، وانخراط المستفيدين في المجتمع وممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
اللهم احفظ هذا البلد من كل سوء.
كاتب وإعلامي بحريني