العدد 5845
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
banner
تزوير في أوراق رسمية
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024

لماذا لا يفوز العرب بـ “نوبل” للآداب منذ نجيب محفوظ؟ سؤال لم يفارق “السوشال ميديا” بعد أن ذهبت الجائزة الأسطورية للأديبة الكورية الجنوبية “هان كانغ”، عن قصيدتها التي صورت الهشاشة التي أصبح عليها المجتمع البشري. العرب يحتجون لأنهم يعتقدون أن في أنفسهم ألف نجيب محفوظ، وآلافا من عينة “هان كانغ”، وربما أرقاما مرعبة عندما تتم المقارنة مع “غابرييل غارسيا ماركيز”، وربما.. وربما. أخماس في أسداس تحاصر الأدباء العرب، يا ترى يا هل ترى، من الذي كانت يجب أن تذهب إليه “نوبل” هذه السنة؟ وهل القضية القنبلة التي فجرتها “هان كانغ” كانت تستحق الجائزة الميمونة، أم أن لجنة التحكيم مازالت تسيس أحكامها ولا تحكم بالعدل؟
عقدة عميقة تتحرك في نفوس أدبائنا ومعظم مثقفينا بأن هناك تمييزا ضدنا، وأن العربي الوحيد الذي فاز بنوبل كانت الجائزة مكافأة له لعدم اعترافه بوجود الله عز وجل في روايته الشهيرة “أولاد حارتنا”، وهو ما يعني أن نوبل لم تذهب لمحفوظ على أعماله الخالدة الأخرى، “الثلاثية” أو “زقاق المدق”، أو “الحرافيش” مثلاً، هي أضغاث أوهام مهيمنة على الشارع الثقافي العربي، وهي “دروشة” ما بعد “دروشة” تؤكد أننا لم نرشح ما يستحق، وأن أدونيس بنسخته الماضية لم تكن تكفي لنيل الجائزة السويدية التي تحمل اسم مخترع الديناميت وأي ديناميت، لكن “اللي فات مات” مثلما يقولون، والسؤال المطروح الآن هو: هل يوجد حاليًا من بين نقادنا وشعرائنا وروائيينا من يستحق الجائزة؟ التأكيدات تأتي إليّ من كل حدب وصوب بأن من الأسماء من يستحق، ومن المؤسسات ما قد تقاعس عن ترشيح اسم أو اسمين لنوبل “الموقرة”، لكن تأتي الرياح بما لا نشتهي أحيانًا. 

وتجري المياه الآسنة في مجاريها لكنها لم تعد صالحة للشرب، هكذا يقول المعزون وهم يقدمون خالص العزاء في فقيدهم الغالي المستحق لـ “نوبل”.

وفي بطلهم الهمام وهو يقترب من أجهزة الإعلام ليعلن عن نفسه صراحة، صفحة كاملة للذكرى الخالدة نشرها أحد الزملاء وهو يتحدث عن شعراء السبعينيات في مصر، المدهش أن إعادة النشر تزامنت مع الاحتجاج على فوز الكورية الجنوبية بالجائزة ولم يفز بها عربي واحد منذ أربعة عقود أو أكثر، الإقصاء لم يكن من نصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى طالما أننا مع بعضنا البعض نُقصي بعضنا البعض، الزميل لا يرى في سبعينيات القرن الماضي سوى وجوه جماعتين شعريتين “إضاعة 77 وأصوات”، حتى من ساعدهم أو من انضم إليهم مقتنعًا بفكرتهم تم إقصاؤه من المشهد كاملاً، حتى من هاجر إلى الخارج لهدف أسمى تم أيضًا حذفه من الإنجاز إذا اعتبرنا أن التسمية “شعراء السبعينيات في مصر” كافية لنيل “نوبل” أو أية جوائز أخرى.
نفر قليل يرى في نفسه أنه الخصم وأنه الحكم، ويبرر خصومته مع المختلفين معه بأن الشعر لا يجب أن يكون هكذا، بل إنه يجب أن يكون مثل كذا وكذا، وكأنهم يريدون أن يضعوا تصورًا مبدئيًا لكينونة الفن، لشكله وطبيعته ورجاله المخلصين، تشكيلة من الباحثين المخضرمين، وتهويمة من بعض الزملاء الخجولين، تريد أن تقول: “بعد البحث والتقصي لا يوجد لدينا سوى هذه الأسماء”.
بعد البحث والتقصي، كان ينبغي أن نرشح أحدهم لـ “نوبل” وغيرها، وبعد البحث والتقصي لابد من إقصاء “الدخلاء” في إشارة واضحة منهم إلى أن هذا يستحق وذاك لا يستحق، هم مجموعة تعبت على نفسها لكي تحتل المشهد وتظل في الأفق الضيق مرآة عاكسة لما يجب أن يكون عليه الشعر، عمودي - نثري - تفعيلة، أو بَيْنَ بَيْنْ.
أما الذين لم يكن لهم نصيب في إطلالة لوجه الله على هذه الحالة الملتبسة، وأما الذين تم إبعادهم عن كامل الصورة منذ أربعة عقود، وأصبحوا في غاية الانزعاج بأن فلانًا يحاول إخراج رأسه من التراب ليحيا من جديد، أو آخر كان يسعى لكي يجد لنفسه مكانًا تحت شمس النجومية الوهمية لكن وافته المنية ولم يحقق حلمه الوحيد، فلا نصيب لهم في الترشيح الوجودي لوضع، أو للحديث معه عن جائزة، أو حتى للاعتراف به كشاعر اختلف سياسيًا وعقائديًا معهم منذ المهد إلى اللحد، بل إنه سيظل مهمشًا مُهْمَلاً، متواريًا لأقصى حد.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .