كان بين الأديبين صاعد بن الحسن بن عيسى المعروف بأبي العلاء، وأحد جلساء الحاجب المنصور بن أبي عامر بالأندلس، ويدعى بابن العريف، شحناء ومناظرات. ويروى عن أبي العلاء صاعد بن الحسن تأليفه كتابا بعنوان “الفصوص في الآداب والأشعار والأخبار”، ليهديه إلى الحاجب بن المنصور بن أبي عامر.
وبعد أن اكتمل الكتاب دفعه لغلام له يحمله، وسبق أبو العلاء غلامه إلى مجلس المنصور. وحمل الغلام الكتاب وعبر نهر قرطبة، فزلقت قدمه فسقط في النهر هو والكتاب. وعندما وصل الغلام إلى مجلس المنصور شاهد ابن العريف الغلام والكتاب في تلك الحالة، قال ساخرًا:
قد غاص في البحر كتاب الفصوص وهكذا كل ثقيل يغوص،
فضحك المنصور والحاضرون، فلم يرع ذلك صاعدًا، وإنما قال على البديهة مجيبًا لابن العريف:
عاد إلى معدنه إنما توجد في قعر البحار الفصوص
عرفت الحضارات الأموية والعباسية والفاطمية وبلاد الأندلس بروز حرفة الوراقة. وكانت الوراقة هي من بين أهم العوامل التي ساهمت في نشر العلم وتوثيقه، حيث تتمثل في نسخ الكتب بشكل رئيسي. وقد زخر التراث العربي بالحديث عن مهنة الوراقة وأشهر الوراقين. وتم توثيق الحديث عن الوراقة في كتب الأولين. كما تم توثيق الكثير من النوادر والطرائف المتعلقة بمهنة الوراقة. واشتهرت بعض النساء، وبصورة خاصة في الأندلس، بالعمل في مهنة الوراقة، وبصورة خاصة نسخ الكتب.
قال أبومحمد عبدالله بن محمد البكري الأندلسي يصف الوراقة:
أما الوراقة فهي أنكد حرفة أوراقها وثمارها الحرمان
شبهت صاحبها بصاحب إبرة تكسو العراة وجسمها عريان
من بين أروع الطرائف والنوادر عن الكتاب ما ذكره ابن الطقطقي في كتابه (الفخري)، أن أحد الخلفاء أرسل في طلب أحد العلماء ليسامره، فلما جاء الخادم إليه وجده جالسًا وحولها كتب يطالع فيها. فقال له إن أمير المؤمنين يستدعيك. قال: قل له عندي قوم من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت. فلما عاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك قال له: ويحك من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عنده؟ قال يا أمير المؤمنين ما كان عنده أحد. قال: أحضره الساعة كيف كان، فلما حضر ذلك العالم قال له الخليفة: من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك؟ قال يا أمير المؤمنين:
لنا جلساء ما نمل حديثهم أمينون مأمونون غيبًا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ورأيًا وتأديبًا ومجدًا وسؤددا
فإن قلت أموات فلم تعد أمرهم وإن قلت أحياء فلست مفندا
فعلم الخليفة أنه يشير إلى الكتب ولم ينكر عليه تأخره.
من بين أفظع النكبات التي لحقت بالخطاطين الكبار وأكثرها قسوة في العصور الإسلامية، ما حدث لابن مقلة الذي يعد أشهر خطاطي العصر العباسي. وهو أول من وضع أسسا مكتوبة للخط العربي، كما أنه مخترع خط الثلث، وكان خطه يضرب به المثل بل هو شيخ الخطاطين.
عين وزيرًا لثلاثة من الخلفاء العباسيين وكان آخرهم الخليفة الراضي بالله، الذي عينه وزيرًا في عام 322هـ، وهو العام الذي تولى فيه الخلافة. وقد تأثر الخليفة الراضي بالله بوشايات بعض حساد ابن مقلة، وبصورة خاصة المظفر بن ياقوت وابن رائق الذي كان له تأثير كبير على الخليفة، فأصدر أمرًا في العام 324 هـ بقطع اليد اليمنى لابن مقلة وسجنه.
كان ابن مقلة وهو في سجنه شديد الحزن على قطع يده وكان يبكي ويقول: (خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاثة من الخلفاء، وكتبت بها القرآن دفعتين، ثم تقطع كما تقطع أيدي اللصوص).
* باحث وأكاديمي بحريني