العدد 5712
الثلاثاء 04 يونيو 2024
نوادر وطرائف عن العلم والكتاب في تراثنا العربي (3)
الثلاثاء 04 يونيو 2024

قالت العرب “آفة الكتب إعارتها”، وتجسد هذه العبارة حقيقة لا يمكن نكرانها. فقد فقدت العديد من الكتب من خلال إعارتها في الأزمان الغابرة، وحتى يومنا هذا. 
اهتم الشعراء الأوائل في الأمصار الإسلامية بموضوع إعارة الكتب، وحذروا أصحاب الكتب بعدم إعارتها، إلا إذا كان المستعير ثقة جدًا، كما قال أحد الشعراء:
إني حلفت برب البيت والحرمِ
هل فوقها حلفة ترجى لذي قسمِ؟
أن لا أعير كتابًا فيه لي أربٌ
إلا أخا ثقة عندي وذا كرمِ
وكتب أحد الأدباء إلى صديق له يعاتبه ويطالبه برد الكتب التي استعارها منه قائلًا:
ما بال كتبي في يديك رهينة
حبست على مر الزمان الأطولِ
ائذن لها في الانصراف فإنها
كنز عليه إذا افتقرت معوَّلي
ونظم الشريف ابن طباطبا بيتًا من الشعر جسد قيمة الكتب وأهميتها، والتي قال عنها (الدفاتر) وهو مصطلح كان الأوائل يطلقونه على الكتب:
إذا فجع الدهر امرأ بخليلهِ
تسلى ولا يسلى لفجع الدفاترِ
ومن بين نوادر العرب عن أهمية العلم وتقدير العلماء ما روي عن عروة بن الزبير، وهو أحد علماء عصره، أنه دخل بستانًا لعبدالملك بن مروان، فأعجب بالبستان، وقال “ما أحسن هذا البستان!”. فقال له عبدالملك بن مروان أنت أحسن منه، إن هذا البستان يؤتي أكله كل عام وأنت تؤتي أكلك كل يوم.
وفي موقف معبر جدا يبين النظرة إلى الأشخاص الذين لم يتعلموا القراءة والكتابة وحفظ الشعر بأنهم ليسوا موجودين حتى وإن حضروا. فقد خرج الوليد بن يزيد الخليفة الأموي حاجًا ومعه عبدالله بن معاوية بن عبدالله، وكانا يلعبان الشطرنج أثناء الاستراحة من المسير من الشام إلى مكة المكرمة. 
وفي أثناء استراحته استأذن عليه رجل من ثقيف فأذن له الخليفة بعد أن ستر الشطرنج بمنديل كي لا يفتضح أمره، فلما دخل سلم على الخليفة وطلب حاجته، فقال له الوليد: أقرأت القرآن؟ قال: لا يا أمير المؤمنين شغلتني أمور وهنات. قال: أفتعرف الفقه؟ قال: لا، قال: أفرويت من الشعر شيئًا؟ قال: لا، قال: أفعلمت من أيام العرب شيئًا؟ قال: لا.. فكشف المنديل عن الشطرنج وقال: شاهك. فقال له عبدالله بن معاوية: يا أمير المؤمنين! قال: اسكت فما معنا أحد.


* كاتب ومؤرخ بحريني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية