+A
A-

كيانات الذكاء الاصطناعي وتحديات المسؤولية الجنائية

  • لا‭ ‬يوجد‭ ‬تعريف‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬حتى‭ ‬وقتنا‭ ‬الجاري

  • إطلاق‭ ‬أول‭ ‬محامي‭ ‬روبوت‭ ‬دخل‭ ‬الساحات‭ ‬القضائية‭ ‬للترافع‭ ‬عن‭ ‬دعوى‭ ‬مرورية

  • جذور‭ ‬بحوث‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ترجع‭ ‬إلى‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي

  • إطلاق‭ ‬مصطلح‭ ‬“الذكاء‭ ‬الاصطناعي”‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬دارتموث‭ ‬الأميركية

  • كيانات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أصبحت‭ ‬حقيقة‭ ‬وواقع‭ ‬فرض‭ ‬نفسه

  • ضرورة‭ ‬وضع‭ ‬إطار‭ ‬تشريعي‭ ‬ينظم‭ ‬استخدام‭ ‬كيانات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

  • لا‭ ‬مسؤولية‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬ارتكب‭ ‬الفعل‭ ‬المكون‭ ‬للجريمة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬إدراك‭ ‬أو‭ ‬اختيار‭ ‬

  • كيانات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬بأنها‭ ‬فرد

  • تضافرت‭ ‬الجهود‭ ‬التشريعية‭ ‬والقضائية‭ ‬لتؤكد‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬مساءلة‭ ‬كيانات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

  • تمتلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬تجربة‭ ‬ثرية‭ ‬في‭ ‬مضمار‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

  • ‭ ‬الصين‭ ‬أصدرت‭ ‬لوائح‭ ‬وضعت‭ ‬ضوابط‭ ‬لصناعات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬خطرا

  • الإمارات‭ ‬أطلقت‭ ‬في‭ ‬2017‭ ‬استراتيجية‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لدعم‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة

  • السعودية‭ ‬أطلقت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2022‭ ‬مبادئ‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

  • البحرين‭ ‬اتخذت‭ ‬خطوات‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬عمل‭ ‬كيانات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

  • ضرورة‭ ‬إصدار‭ ‬وثيقة‭ ‬أخلاقية‭ ‬مراعية‭ ‬للثوابت‭ ‬والقيم‭ ‬الوطنية‭ ‬مستندة‭ ‬على‭ ‬المعايير‭ ‬العالمية

 

زهـرة مـــراد  رئيس النيــــابـة، عضو فريق الذكاء الاصطناعي في خضم التطورات المُتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم، تعتبر كيانات الذكاء الاصطناعي إحدى ركائز الثورة الصناعية الرابعة، تلك الثورة التي انطلقت مع بداية هذا القرن، وقد نقلت العالم إلى عصر التحول الرقمي، حتى أصبحت كيانات الذكاء الاصطناعي حقيقة وواقع فرض نفسه. وإزاء هذا التطور يغدو من الضروري النظر في التشريعات الحالية لبيان مدى جهوزيتها لاستيعاب تطبيقات الذكاء الاصطناعي وما يترتب عليها من حوادث وصولاً لوضع إطار تشريعي ينظم استخدام كيانات الذكاء الاصطناعي وتحديد الجهة المسؤولة عن أعمالها غير المشروعة.  
وترجع جذور بحوث الذكاء الاصطناعي إلى خمسينات القرن الماضي، لتكون أرضية خصبة للإعلان عن البداية الرسمية لهذا المجال في عام 1956 حيث تم إطلاق مصطلح (الذكاء الاصطناعي) لأول مرة في كلية دارتموث في الولايات المتحدة الأمريكية، وعُرف بأنه (علم وهندسة صنع الآلات الذكية)، ومن ذلك الوقت تعددت التعريفات التي سيقت لهذا المصطلح، إلا أنه لا يوجد تعريف متفق عليه حتى وقتنا الجاري. 
وفي ظل هذا التطور نؤكد بأن العالم مقبل على ثورة في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل إنه دخل فعلاً وبخطى متسارعة، إذ يكاد لا يخلو قطاع إلا وقد وظّف تلك التطبيقات، فمن قطاع التعليم إلى الصحة، والبيئة والإعلام، إلى القطاعات العسكرية والأمنية ناهيك عن القطاعات القضائية، حيث تم إطلاق أول محامي روبوت دخل الساحات القضائية للترافع عن دعوى مرورية، مما صاحب هذا التطور العديد من المخاطر.

 التنظيم التشريعي
وفي ظل غياب التنظيم التشريعي للمسؤولية الجنائية عن حوادث كيانات الذكاء الاصطناعي لخصوصيتها؛ مما نتج عن ذلك إشكالات لتحديد الجهة المسؤولة عن تلك الحوادث، وعما إذا كانت تقع على الشركة المنتجة أو المشغلة أو الجهة المُصنعة، أم إن القدرات البرمجية التي حصل عليها ذلك الكيان يُمَكّنِهُ من الخروج عن الضوابط والحدود الموضوعة لهُ، وعليه يصدر قرارات مستقلة تجعلهُ مسؤولاً بصورة منفردة عن أفعاله؛ مما يمكن مساءلته جنائياً.  
إن الناظر في موقف الفقه يكشف عن وجود محاولات فقهية لإقرار المسؤولية الجنائية لكيان الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر من خلال الاعتماد على الإدراك الاصطناعي محل الإدراك الطبيعي، عن طريق فحص النظام السحابي الخاص بتخزين البيانات أو ما يسمى -الصندوق الأسود- المُحمل في تلك الكيانات، وهو مخصص لتسجيل كافة المعلومات التي تُمكن أي شخص من مراجعة جميع القرارات المُتخذة من قبل تلك الكيانات للوصول للسبب الحقيقي لأي فعل صادر عنه، إلا إنه للرد على هذا الاتجاه لابد من الوقوف على متطلبات المسؤولية الجنائية، وهذا يقودنا إلى تفسير نص المـادة (31) من قانون العقوبات البحريني “لا مسؤولية على من ارتكب الفعل المكون للجريمة من غير إدراك أو اختيار” ويراد بالإدراك الوعي أو التمييز أي قدرة الشخص على فهم ماهية سلوكه، حيث لم تصل تلك الكيانات إلى هذه المرحلة كون إن الإدراك موطنه الوعي والفهم، ومصدره العقل وهو مناط المسؤولية الجنائية باعتباره أحد عناصرها وهو ما يختص به الإنسان دون غيره.
ونستشهد بذلك فيما انتهى إليه القضاء الأميركي في الدعوى المرفوعة من قبل أحد الأشخاص ضد مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية بالولايات المتحدة كونه تم رفض طلب براءة اختراع أحد كيانات الذكاء الاصطناعي، حيث انتهى الحكم برفض الدعوى وصحة القرار الصادر من المكتب كون أن قانون براءة الاختراع قد خاطب الأفراد وبأن كيانات الذكاء الاصطناعي مهما بلغت من قدرات متقدمة لا يمكن أن توصف بأنها فرد؛ مما يستتبع ذلك عدم الاعتراف لها بصفة المُخترع، وقد جاءت المحاولات التشريعية لتؤكد ذلك حيث تم تقديم مشروع بقانون رقم 1316 في ولاية North Dakota في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2023 ومفاده بأنه لا يمكن أن يتم تعريف الذكاء الاصطناعي كشخص طبيعي، وعليه تضافرت الجهود التشريعية والقضائية لتؤكد عدم إمكانية مساءلة كيانات الذكاء الاصطناعي. 

 التعاون الدولي
وأمام الحاجة المُلحة للتدخل الدولي السريع لضمان تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وآمن دولياً، يظهر التعاون الدولي لتأسيس نهج مشترك في وضع أُسس مسؤولية تلك الكيانات، حيث أثبتت إحصائيات معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي بأنه في عام 2023 قد تم إصدار 127 تشريعا ينظم عمل الذكاء الاصطناعي؛ مما يشكل ذلك قفزة نوعية عن عام 2022 الذي انتهى بـ 25 تشريعا ينظم عمل تلك الكيانات.
 أما على صعيد التشريعات الغربية التي تنظم المسؤولية الجنائية لتلك الكيانات تمتلك الولايات المتحدة الأميركية تجربة ثرية في مضمار الذكاء الاصطناعي، حيث إن ولاية  – Maryland - تناولت مشروعاً بقانون لتعديل قانون العقوبات الساري وإضافة مادة تنظم المسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعية عند استخدامهم كيانات الذكاء الاصطناعي وارتكاب جرائم المساس بسلامة جسم الغير، كما أن جمهورية الصين أصدرت لوائح تنظيم صناعات الذكاء الاصطناعي، ووضعت ضوابط على تلك الصناعات التي تشكل خطراً، وحددت عقوبة جنائية عند الإخلال بتلك الضوابط، وعند الحديث عن اتحاد كندا حيث اتخذت خطوات متقدمة من خلال إطلاق مشروع قانون الذكاء الاصطناعي والبيانات لتنظيم التجارة الدولية بين المقاطعات، واعتبر بأن الشخص سيكون مساءل جنائياً إذا استخدم تلك التطبيقات، وتسببت بضرر جسيم للغير وممتلكاته، وقد رتب المسؤولية الجنائية على الأشخاص الطبيعية والمعنوية على حد السواء.

دول الخليج
  أما على صعيد دول الخليج، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2017 استراتيجية الذكاء الاصطناعي لدعم التنمية المستدامة لدولة الإمارات، كما أصدرت قانون رقم (9) لسنة 2023 بشأن تنظيم وتشغيل المركبات ذاتية القيادة، وتناولت المسؤولية الجنائية عن الجرائم المرتكبة بواسطة المركبة ذاتية القيادة. كما أن المملكة العربية السعودية قد أطلقت في عام 2022 مبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومن أبرزها مبدأ المساءلة والمسؤولية وهو أن يتم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة لسهولة الوصول للأشخاص المسيطرة على تلك الأنظمة، وذلك لاستنهاض مسؤوليتهم عن حدوث أي حوادث قد تتسبب بأضرار جسمية. 
وختاماً نؤكد بأن مملكة البحرين في مصاف الدول الرائدة حيث اتخذت خطوات متقدمة في تنظيم عمل كيانات الذكاء الاصطناعي، وتجلى ذلك من خلال الجهود التكاملية بين سلطات الدولة، حيث أنهُ على صعيد السلطة القضائية، فقد أطلق النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين وثيقة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في أعمال النيابة العامة، وكان من أهم مبادئها قيم العدالة والإنصاف حال تفعيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، أما على صعيد السلطة التشريعية، فقد أعلن مجلس الشورى عن الاقتراح بقانون لتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخداماته، كما خصص هذا المقترح فصلا كاملاً للجزاءات الإدارية والعقوبات الجنائية، وتضافرت تلك الجهود مع جهود السلطة التنفيذية من خلال إعلان اللجنة الوزارية لتقنية المعلومات عن تشكيل فريق للبحث في مجالات استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ومع حلول منتصف عام 2024 نرى ضرورة إصدار وثيقة أخلاقية مراعية للثوابت والقيم الوطنية مُستندة على المعايير العالمية التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة -اليونسكـو- وجعل أُسس (المسؤولية والمساءلة) البوصلة الرئيسية التي تحكم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي وفق منهجية عادلة وأخلاقية قائمة على حماية حقوق الإنسان، لتكون حجر الأساس للقوانين واللوائح التي تُنظم أُطر التعامل مع تلك الكيانات، وبما يضمن وضع قواعد عامة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي وفق آليات تضمن سلامة مُخرجاتها.