العدد 5658
الخميس 11 أبريل 2024
banner
ولا تسرفوا
الخميس 11 أبريل 2024


عندما كنت أقرأ سورة الأعراف استوقفني قوله تعالى "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (31)، فالنداء الإلهي موجه لبني آدم جميعًا وليس للمسلمين فقط، وكنت قبلها بقليل قد قرأت ما كشف عنه تقرير مؤشر هدر الأغذية الصادر عن الأمم المتحدة بأن عائلات وشركات رمت طعاما بقيمة أكثر من تريليون دولار، في حين كان قرابة 800 مليون شخص يعانون الجوع، وأكثر من خُمس المنتجات المتوفرة في الأسواق (مليار طن أغذية)، أُهدرت عام 2022.
إذا كان العلماء قد أشاروا في سياق تفسيرهم للآية القرآنية الكريمة إلى أن الله تعالى جمع الطب كله في نصف آية اشتملت على ما يحفظ صحة الإنسان، فإن جوانب أخرى تظهر لنا حكمة هذا التوجيه الرباني بعدم الإسراف، وكيف أن الأمر لا يتعلق فقط بصحة الفرد، بل بسلامة الكوكب بأكمله. فوفقا لإنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن هدر الطعام مأساة عالمية وفشل أخلاقي وبيئي ينتج انبعاثات مسببة لارتفاعات خطيرة في درجة حرارة الكوكب. أما ريتشارد سوانيل، من منظمة "راب" (WRAP) التي شاركت في إعداد هذا التقرير فيحذر من تأثير هدر الطعام على تغير المناخ، مشيرًا إلى أنه ينتج ما يصل إلى 10 % من انبعاثات غازات الدفيئة السنوية، قائلا "إذا كان الطعام المهدر دولة، سيكون ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة على الأرض بعد الولايات المتحدة الأميركية والصين". التقرير يحمل الأسر الجانب الأهم من المسؤولية عن هذه الأزمة لأنها تخلّصت من 60 % من مجموع الطعام المهدر كان يمكن أن يشبع جميع جوعى العالم، في حين أن الشركات التي تقدم خدمات الطعام كالمطاعم والفنادق مسؤولة عن 28 % من الأطعمة المهدرة، بينما تجارة التجزئة مثل الجزارة وبيع الخضار كانت مسؤولة عن 12 % منها.
كثير من مشكلات عالمنا المعاصر في مختلف المجالات تعود إلى عدم الالتزام بمبدأ وتجاهل قيمة مهمة وهي القصد والاعتدال في كل أمورنا سواء في تعاملاتنا مع الغير أو حتى في كثير من سلوكياتنا، كأشخاص ومجتمعات ودول.

كاتب بحريني
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .