العدد 5639
السبت 23 مارس 2024
banner
"ليبراسيون" ومأساة غزة
السبت 23 مارس 2024

دفعتني الضجة وحملات الانتقاد المبررة الرافضة لكاريكاتير "عنصري" رسمته الفنانة الفرنسية كوكو بصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية مؤخرًا تحت عنوان "رمضان في غزة.. وبداية شهر صيام"، ويظهر عائلة في غزة من أب وأم وطفل، بين الدمار والأنقاض والجثث، بوجوه جائعة وأب هزيل يطارد الجرذان والصراصير لتوقفه زوجته بالضرب على يده قائلة له "ليس قبل أذان المغرب"، لأتتبع موقف هذه الصحيفة من الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، ووجدته في غالبه محايدًا وجادًا ومقتحمًا العديد من القضايا التي انتقدت فيها إسرائيل بحسم وأدلة ولغة موثقة وواثقة.

في 28 أكتوبر، كشفت "ليبراسيون" أن إسرائيل دفعت ملايين الدولارات (4.6 ملايين دولار)، من أجل الترويج لروايتها في الحرب على غزة وإغراق مستخدمي الإنترنت الفرنسيين بالإعلانات المناهضة لحركة حماس، مشيرة إلى أن إسرائيل استثمرت كذلك 2.4 مليون دولار لاستهداف المشاهدين في ألمانيا، و2.1 مليون للجمهور البريطاني. وفي 12 نوفمبر 2023، قالت الصحيفة الفرنسية في تحقيق لها إن ادعاءات إسرائيل بوقوع فظائع في 7 أكتوبر 2023 هدفت لحشد الرأي العام الإسرائيلي والدولي للانتقام العنيف في غزة، مؤكدة أنه لم يتم قطع رأس أحد، ولم يتم وضع أطفال في أفران أو تقييد أطفال كما ادعت إسرائيل، وأنه لم تكن هناك سيدة حامل بين الأسرى في 7 أكتوبر. في عموده الصحافي في 2 يناير الماضي، استنكر رينو جيرار في "ليبراسيون" حجم الأضرار البشرية والمادية الهائل في غزة، متسائلا عما إذا كان ما تكرره الحكومة الإسرائيلية بأن سكان قطاع غزة رهائن لدى حماس، يمكن أن يكون مبررا لتدمير البنية التحتية والمباني السكنية بشكل منهجي في أرض تبلغ مساحتها 365 كيلومترا مربعا، ويسكنها مليونا فلسطيني وتحتلها إسرائيل منذ عام 1967، مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية أطلقت العنان لرغبتها في الانتقام من سكان محبوسين داخل سياج آلي سواء بوعي أو بدون وعي.

وفي نهاية ذات الشهر يناير 2024، شددت "ليبراسيون" على ضرورة التمسك بمؤسسة الأونروا ودورها الذي وصفته بأنه لا غنى عنه في حياة 6 ملايين من اللاجئين الفلسطينيين، مليونان منهم بغزة، منتقدة قيام أكثر من 10 دول غربية بتعليق تمويلها لهذه المنظمة المسؤولة منذ عام 1949 عن مصير اللاجئين الفلسطينيين، في وقت تهدد فيه المجاعة 40 % منهم.

هي قضايا مهمة تبنتها الصحيفة الفرنسية برؤى ومواقف مغايرة ومناقضة للموقف الإسرائيلي، مستندة إلى أدلة وحقائق وتحقيقات قامت ببعضها بنفسها، وتشير إلى أن الصحيفة تسعى للحقيقة، وأن ما نشرته من رسم كاريكاتوري عنصري مسيء لأهالي قطاع غزة يمثل "شذوذًا" عن نهجها وتغطيتها للحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة رغم زعم صاحبة هذا الرسم بأنها قصدت منه إظهار يأس الفلسطينيين، وإدانة المجاعة في غزة، فهو بالنهاية لا يمكن وصفه إلا بـ "القذارة" كما وصفته النائبة الفرنسية سارة لوغران.

كاتب مصري

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية