لم نكن نتخيل أن تتضاءل آمال القوة الأهم في عالم اليوم وهي الولايات المتحدة الأميركية تجاه الحرب الإسرائيلية المتواصلة بكل شراسة منذ شهور على قطاع غزة وما تحدثه من تدمير مادي وبشري غير مسبوق في تاريخ البشرية كلها إلى مجرد بناء ميناء مؤقت على ساحل قطاع غزة، من أجل إيصال المساعدات الإنسانية عن طريق البحر، وكأن القضية الأساسية هي تقديم العون لمن يتبقى من الفلسطينيين على قيد الحياة وليس إبعاد الموت المحقق عنهم بوقف الحرب.
كلمة "بناء" لا محل لها في هذا السياق التدميري الدموي الذي تسير به وفيه الحرب الإسرائيلية ضد أبناء غزة بعد أن بات كل شيء تقريبًا تحت الأنقاض، ولن يكون هناك "بناء" ما بقيت هذه الأجواء.
كما أن الحديث عن "بناء" ميناء معناه أنه باتت هناك قناعة ـ أو استسلام لفكرة ـ أن الحرب ستستمر، ولا نية أو لا قدرة على وقفها في الوقت الراهن، خصوصا أن التقديرات تشير إلى أن إنجاز هذا المشروع الذي وعد به وتحدث عنه الرئيس الأميركي مؤخرا سيستغرق نحو ستة أشهر، فهل بعد كل هذه الشهور نضمن بقاء فلسطينيين على أرض غزة.
تبدو لي سلبيات ومخاطر طرح هذه الفكرة بهذا التوقيت أكبر من إيجابياتها، إذ إنها ستشتت انتباه من لا يزالون يعملون من أجل وقف الحرب أو التوصل لهدنة مهما كانت مدتها وتفاصيلها، وستدخلنا جدالا دوليا وانقساما جديدا حول من يتحمل بناء هذا الميناء وحمايته وكيفية إدارته وتوزيع ما يصله من مساعدات وغيرها من الأمور اللوجستية التي سيطول النقاش بشأنها، وفرص النجاح في حسمها تظل محدودة في ظل ما نراه الآن من معوقات وصعوبات في إيصال كم هائل من المساعدات التي تأتي من هنا وهناك لكنها لا تصل لغايتها ومستحقيها.
المشكلة الحقيقية ليست في قلة المساعدات، بل في من يوقف هذه المساعدات ويمنع وصولها، وقبل وبعد كل شيء هي في من يوقف هذه الحرب.
*كاتب مصري