العدد 5634
الإثنين 18 مارس 2024
banner
مجالس للذكر وملتقيات للثقافة
الإثنين 18 مارس 2024

إضافة إلى ما يمثله شهر رمضان من موسم تتجلى فيه القيم الروحيّة، فهو في الوقت ذاته تجسيد للأهداف الاجتماعية والإنسانية والخيرية.

فأبناء البحرين منذ عصور سحيقة جُبلوا على التزاور والتقارب والتصافح بعفويتهم التي عرفوا بها، وهذا يتم بين كل المكونات المجتمعية بلا استثناء، ولعل مشاهد الأعداد الغفيرة وهي ترتاد المجالس والديوانيات طوال ليالي الشهر الكريم لم تكن منظرا مستغربا، وهذه الزيارات في حقيقتها ليست مجرد لقاءات عابرة بين الأقارب أو أبناء الحيّ أو المعارف، لكنها تعبر في حقيقتها عن عمق الأواصر بين أبناء البلد.

قبل عقدين أو ثلاثة كانت المجالس الرمضانية ملتقيات للتربية والإصلاح الاجتماعيّ، وتنهض بمهمة التثقيف في الشؤون الدينية والاجتماعية، ويحلو للبعض تسميتها بالمنتديات الثقافية والفكرية، حيث يتم خلالها بحث ومعالجة القضايا المجتمعية وما يستجد على سطح الحياة من هموم ومعضلات يومية.

ونظرا لانشغالات الأغلبية من الناس طوال أشهر العام فإنّ رمضان يعد فرصة سانحة لتبادل الزيارات والاقتراب من الآخر اجتماعيّا وفكريا، لعل البعد الغائب في هذا الشهر الكريم هو أنّ الأكثرية - كما أظنّ - لا تستثمره في الإنصات إلى ما يتلى من الذكر الحكيم في المجالس، وهو الهدف الذي نكرس له الساعات من الوقت آناء الليل والنهار، متناسين قوله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون".

ولو أننا امتثلنا للأمر الإلهي لجنينا فوائد لا تحصى ومكاسب جمة، بيد أنّ المحزن تحول الكثير من الديوانيات إلى اللغو والثرثرة، وكأنّ قراءة القرآن أمست لا ضرورة لها.

وليس ما أسلفنا الإشارة إليه وحده مما نعمد إليه من خطيئة، بل إنّنا نفوت على أنفسنا فرصة التسامح مع الآخر، فأحد أهداف المجالس تآلف القلوب وتعزيز اللحمة، وهي بلا شك وسيلة عظيمة لتوثيق عرى المحبة.

والذي ليس موضع خلاف أن الفرد ليس بمقدوره العيش بمعزل عن الآخر والبقاء خارج المنظومة الإنسانية، لذا فالأولى التقارب مع بعضنا البعض.

كاتب وتربوي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية