العدد 5624
الجمعة 08 مارس 2024
banner
الدولار المصري والجنيه الأميركي
الجمعة 08 مارس 2024

لقبوه بالدولار المصري قياسًا لسعر صرفه المجنون في "الكنانة"، أطلقوا عليه الشبح المرعب الذي يتحكم في التضخم والغلاء واختلال مستوى المعيشة، أصبح مسيطرًا على مفاصل الاقتصاد، هو العملة الوحيدة التي لديها ثلاثة أسعار وربما أكثر، وهذه الأسعار تتغير كل دقيقة ربما داخل سوق سوداء معروفة بـ "السوق الموازي".
الدولار المصري حير العلماء والخبراء والمستثمرين، وحتى صندوق النقد والبنك الدوليين أصبحا في حيرة من أمرهما، يا ترى يا هل ترى؟ فهناك الدولار الجمركي المتداول قبل زلزال "رأس الحكمة" بنحو 40 جنيهًا، وهناك الدولار الرسمي المتداول في البنوك وشركات الصرافة ويعادل 31 جنيهًا تقريبًا، وهناك الدولار الذهبي الذي يتم من خلاله احتساب وتقييم أسعار الذهب في السوق المصرية ويعادل 50 جنيهًا منذ مايو الماضي، ثم هناك الدولار الأسود أو ذلك المتداول في السوق الموازية المعروفة بالسوداء وتتراوح أسعاره ما بين الـ 45 حتى الـ 71 جنيهًا للدولار الواحد.
هذه الحالة أدت إلى حدوث ارتباك شديد في الأسواق، لدى المستثمرين والمستوردين ورجال الأعمال وحتى المواطن العادي، وأهمهم المصريين العاملين في الخارج، ما هو السعر المناسب يا ترى؟ وكيف يمكن توحيد سوق صرف الدولار الأميركي "المصري" في تلك السوق المجنونة؟ ثم هل يمكن التوحيد، أم أن ذلك يُعد ضربًا من ضروب التنجيم؟
ظلت الأسئلة مطروحة حتى تدخلت شركة أبوظبي الاستثمارية القابضة مشكورة بعرض تاريخي قيل إنه لم يسبق له مثيل لشراء 40 ألف فدان "بر وبحر" في منطقة رأس الحكمة بأقصى غرب الساحل الشمالي المصري الممتد من الإسكندرية حتى الحدود الليبية، من أجل إنقاذ الجنيه المصري ووضع حد لجنون أسعار صرف الدولار بالسوق الجهنمية. الصفقة بلغت 35 مليار دولار، 24 مليار دولار تدفعها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة فورًا، و11 مليار دولار أميركي بعد شهرين. ووفقًا لاتفاقيتي التفاهم التي تم الإعلان عنهما بشكل متضارب، أطلقت السلطات النقدية المصرية عشرات التصريحات الصحافية التي تبشر بأن هذه الصفقة التي وصفوها بالأعلى في تاريخ النشاط الاستثماري المصري سوف تؤدب الدولار وتعيده إلى رشده، بل إنها سوف تحجم أسعاره وتعيد التوازن إلى السوق النقدية، فلا ارتفاع جنوني، ولا مزيد من التوتر والاضطراب بالسوق، ولا خفافيش ظلام ترعى بين أحراش الأسواق كي تتحكم في الأسعار كيفما يحلو لها.
وبالفعل لم تمض أيام قلائل على الصفقة الإماراتية التاريخية حتى انخفض سعر الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري بالسوق من 71 حتى (40 – 41 – 45 – 50)، لم يتم التثبيت ولم يتم تحديد سعر صرف موحد، حتى فجر أمس الأول الأربعاء عندما أعلنت الحكومة المصرية عن تعويم سعر صرف الجنيه المصري وتركه حرًا في السوق المصرية عند حدود الـ 40 جنيهًا للدولار الواحد بعد أن كان السعر مثبتًا عند الـ 31 جنيهًا تقريبًا.
هل تم القضاء على الأسعار المتعددة للدولار الأميركي في السوق المصرفية، وهل تم توحيد هذه الأسعار لتستقر على مرفأ الـ 40 جنيهًا، وهل نجحت الدولة في فرض سطوتها على السوق النقدية وأبعدت تمامًا تجار السوق الموازي وهؤلاء الذين يفرضون قانونهم من خارج الديار؟
الأيام القادمة ستحمل كثيرًا من المفاجآت، والمضاربات والتصريحات المتناقضة.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .