خطأ تصورت أن نهاية العالم قد تبدو في ثقب أسود، في مجرة لم تكن في الحسبان، أو في كوكب معتم لم يزره النور بعد، خطأ تخيلت أن فراغ المحتوى، وضعف الحضور، وغياب الجماهير العريضة هو نهاية العالم. عندما تنبأ الفلكيون وعلماء الفضاء بأن الثقوب السوداء في الكون قد تلتهم الأرض وما عليها، عشت لحظة النهاية وأنا ألقي إحدى قصائدي في أحد المنتديات، شُبه لي بأن أحدًا لم يحضر لأن الأمطار الغزيرة أغرقت الأخضر واليابس، وأنه لم يعد في الأرض مكان لآدمي كي يواجه الطوفان العظيم. تصورت أن الثقب الأسود يهاجم الخليقة، يلتهم ما يقابله في الطريق، ويحطم ما يعترضه من حصا وأحجار كريمة، تخوفت من أن يمتد صراع الأسود والضباع إلى قاعة المنتدى حيث الثأر المستدام، والعداوة التاريخية، من حسن الطالع أن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث، وأن ثقبًا متسللاً من الكون البعيد قد فتح فمه العريض لكي يلتهم ما يمكن التهامه من مرايا حياتنا الصعبة.
انتهت الندوة وخرجت من قصة المكان الذي لم يكن الحضور فيه كاملاً للعدد، إلى أقصوصة القصيدة التي لم يقرأها أحد، كتبت متألمًا ومتأملاً ولم يقرأن أحد، خرجت من سترتي الشتوية الثقيلة ودخلت في بياتي الربيعي القصير لأجد أمامي سيدة تهنئني بما حدث، بما ألقيت من شعر، بما حاولت تناوله من دماء على رمال غزة، من كائنات مجهولة النسب، أو نسب لكائنات مجهولة، هنأتني السيدة الحسناء باعتبارها إحدى طالباتي في الجامعة الأهلية، حملت لي هدية تقديرية لكل ما كان يراودها وأنا أغامر بقافيتي المتقطعة أمام قصيدة النثر، بل وأنا أحاول جاهدًا أن أثور على ما كان ينوي أن يثار بوجهي، حملت معطفي الأسود على يدي، وأنا أقاوم الرياح العاتية بكلتا يدي، أحاول أن أبحث في السماء عن مرايا الثقب الأسود، عن صورته المنتشرة على صفحات السوشال ميديا مهددة مخدعي المتواضع بعد منتصف الليل.
انتهت الندوة ولم تنته حكاية ثقب السماء الأسود، تذكرت أنيس منصور الكاتب المصري الكبير قبل رحيله وهو يتحدث عن الذين هبطوا من السماء، وتوقعت أن تمتد ذاكرتي للرئيس الأميركي أيزنهاور، وعقدت مقارنة ظالمة له مع الرئيس الحالي بايدن، اختلطت الأشباح مع الأطباق الطائرة، مصدات الرياح مع السفن العائمة، وآليات البحث عن قصيدة، وأنا بين يدي القلم أحاول أن أكتب مقالة جديدة، أو أن أستشهد بحدث لم يحدث، أو أتنبأ بثقب أسود نبيل، أو بمجرة تائهة بين السطور.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية