العدد 5617
الجمعة 01 مارس 2024
banner
الإدارة.. القرار.. وغياب الصناعة
الجمعة 01 مارس 2024

عندما يكون القرار فرديا، والإدارة مفقودة، وحين تصبح المؤسسة الاقتصادية – أية مؤسسة اقتصادية – مفرغة من طواقمها البشرية المحترفة، ومن لوائحها الداخلية المنضبطة، ويصبح الآمر الناهي في تلك المؤسسة مزاج شخصي، أو "مود" متقلب، أو شتات أفكار مسموعة وليست مدروسة، لا تسأل لماذا تصرفت أية مؤسسة اقتصادية تجاه العاملين المحترفين بالشكل المهين هذا، أو بتلك الطريقة غير المتعارف عليها حسب القوانين والتشريعات وأصول حقوق الموظف. لا تسأل لماذا خسر المصرف هذا أو المؤسسة تلك، بل فتش عن المنظومة بأكملها، عن النشأة والتكوين، عن الإدارة المحترفة الواعية، وتلك الاعتباطية العشوائية التي يتصرف صاحبها وكأنه يتصرف مع أهل بيته أو مع ملك خاص له.
من هنا نشأت الشركات المساهمة العامة لكي تصبح عامة في كل شيء، حتى في عمل كشف حساب للمدير، أو إذا ما كان هذا الرئيس أو المدير منتخبًا داخل مؤسسة ذات نفع عام. لقد أصبحت إدارة المؤسسات العامة في العديد من البلدان إدارة خاصة، وأصبحت الرقابة من الجمعيات العمومية لهذه المؤسسات مجرد حبر على ورق، فلا أحد من المساهمين يناقش، ولا أحد يحاسب، ولا أحد يجرؤ على الاعتراض ضد قرار منحاز اتخذه الرئيس التنفيذي مع فريق بينما فريق آخر يعاقب على إنجازاته، وعطاءاته، وانضباطه في العمل. عندما تغيب الإدارة العادلة يغيب القرار الصائب، وحين يتغطرس مسؤول عن مؤسسة مختفيًا أو هاربًا من الرأي العام بحجة أنه لا يعترف بأهمية الصحافة أو أجهزة الإعلام، حين يدعي المسؤول ذلك ويتحدث بتعالٍ وتعجرف على أهل العلم والقلم، ورُسل الناس إلى الأجهزة المسؤولة، والكيانات المعتبرة وصناع القرار، حين تصبح إدارة المؤسسات المهمة عشوائية وكل قراراتها محبوسة عند شخص "ما" أو لدى مسؤول بعينه، فلا تفتش يا عزيزي بعد عن أسباب انهيار تلك المؤسسة، لا تسأل لماذا أخفقت بعد نجاح، ولماذا تردت أوضاعها بعد عز، لا تسأل لماذا خرجت الأسرار والإخفاقات دفعة واحدة من دون مقدمات، ذلك أن هذا السؤال أصبح واضحًا، وإجابته واضحة، ولا يخرج عن كونه مجرد تكهن بأن المسؤول الأول يتخفى عن الأعين، لا يعترف بالإفصاح، ويكره المعلوماتية، رغم أنه يعمل في مؤسسة أول همها وأهم اهتماماتها هو تسويق المعلوماتية، الدفاع عنها، طريقة التعامل معها، وكيفية الحصول عليها.
وإذا كانت مثل هذه المؤسسات تعتمد على فرد محدد في اتخاذ قراراتها، تؤتمر بأمره، وتسبح بحمده، لا ترفض له طلب، ولا تراجع أحدا في قراراته، ولا تحاسب مخلوقا إذا ما كانت تلك القرارات صائبة أم أنها تضر بمصلحة المساهمين، إذا كان الأمر كذلك فليس غريبًا أن تفلس المؤسسات المرموقة.
حدث ذلك في أعرق المؤسسات المحاسبية الدولية، وفي العديد من الدول التي لا رقيب فيها ولا حسيب، بل وفي أخطر المؤسسات المؤثرة في عالم المال والأعمال والتكنولوجيا.
لا حل إلا العودة لما كنا عليه، أن تكون الإدارات جماعية حتى لو كان لديها رئيس قدير عليم قوي الشكيمة، أن تكون الرقابة حازمة ودورية وليست شكلية أو مؤقتة، وأن يكون المسؤول مدركًا بأن المقعد الذي يعتليه لن يدوم له طول العمر، حيث لو دامت لك ما ذهبت لغيرك.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .