بعيدًا عن الشائعات، عن التكهنات، بعيدًا عن القيل والقال وحزمة المساعدات، أطلقت دولة الإمارات ومصر خلال الأيام القليلة الماضية أكبر مشروع استثماري في منطقة الشرق الأوسط. القياس بالقياس يذكر، والحماس بالحماس يسجله التاريخ، المنطقة: رأس الحكمة - درة شواطئ البحر الأبيض المتوسط، المساحة: 40 ألف فدان في أهم المواقع الاستراتيجية بغرب الساحل الشمالي المصري، المشروع: كل شيء، شواطئ، مدن، فنادق، مستشفيات، أندية، مطارات، موانئ، مناطق لوجستية، مسارح، منتزهات، كل شيء.. كل شيء. إجمالي الاستثمارات: 150 مليار دولار أميركي، الاتفاق المالي: ضخ 35 مليار دولار أميركي مباشرة وخلال شهرين في شرايين الاقتصاد الوطني المصري. خطوة دولة الإمارات ليست مسبوقة، ومشروعها لإنقاذ العملة المصرية من الانهيار التام لم يسبق له مثيل.
على الفور وبعد الإعلان عن المشروع بدقائق انخفض سعر صرف الدولار الأميركي بالسوق الموازي المصري بمقدار 12 جنيهًا للدولار الواحد، من 71 إلى 59، ثم إلى 45 جنيها للدولار، ليقضي بذلك على المضاربات المحمومة التي كان الجنيه المصري متعرضًا لها خلال الشهور القليلة الماضية. السؤال: كيف حدث ذلك؟ كيف تراجع الدولار في السوق الموازي المصري بعد أن كان مشمرًا عن سواعده ويتجه بخطى متسارعة ليلامس سقف المئة جنيه للدولار الواحد؟ السؤال مطروح لأن العجز الواضح في الموازنة العامة المصرية، والعجز الأعظم في توفير العملات الأجنبية "النقد الأجنبي" للوفاء بواردات طارئة، خصوصا قبل شهر رمضان المبارك كان مثيرًا للقلق، وكانت كل المؤشرات تؤكد أنه حتى تعويم العملة المصرية لن يفيد، وأن ترك حبل الأسعار على الغارب قد يؤدي إلى كابوس من الصعب الإفاقة منه على المديين القصير والمتوسط. بعيدًا عن اتفاقية رأس الحكمة، وبعيدًا عن تفاصيلها المالية التي تعتبر الأكثر قدرة على ضخ سيولة للبنك المركزي حتى يعود التوازن إليه ويبدأ رحلة التقاط الأنفاس من جديد، فإن الاتفاق الذي أعلنه رئيس الوزراء المصري في مؤتمر صحافي عالمي السبت الماضي يشير إلى فرملة قطار الدولار السريع، بل وإلى لجم أسعاره التي ارتفعت أكثر من 25 % خلال الأسابيع القليلة الماضية، هذا الوضع دفع الأوساط المالية وأوساط المستهلكين إلى السؤال الأكثر وجاهة.
عندما ارتفعت أسعار صرف الدولار الأميركي بالسوق الموازية المصرية ارتفعت أسعار صرف كل شيء، هل يا ترى ستتراجع الأسعار بعد أن فقد الدولار نحو 20 % من قيمته خلال ساعات من الإعلان عن "رأس الحكمة"، وهل من الحكمة توجيه السؤال للمسؤولين حاليًا ولم يمض على السعر الجديد بالسوق الموازي سوى أيام قلائل؟
يعتقد البعض بأن تلامسًا "مستحبًا" قد يحدث بين السعر الرسمي للدولار في البنوك وشركات الصرافة المقدر بـ 31 جنيهًا مصريًا للدولار الواحد وبين سعره في السوق السوداء "الموازية"، ولكن شيئًا من هذا القبيل لم يحدث قياسًا بإجمالي أعباء خدمة الدين الخارجي سنويًا المقدرة بـ 29,3 مليار دولار تقريبًا، التي يجب سدادها خلال 2024، ذلك أن إجمالي الدين الخارجي قد بلغ حتى تاريخه 165 مليار دولار.
الخبراء يؤكدون أنه لا تراجع وشيك في أسعار السلع بالسوق المصرية رغم تراجع أسعار الذهب من ثلاثة آلاف و800 جنيه للجرام إلى حدود الثلاثة آلاف و200 جنيه بعد الإعلان عن "رأس الحكمة".
المشروع هو الأهم والأكبر، والأثر هو الأهم والأكبر، والتعاون الإماراتي المصري هو الأهم والأكبر.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية