قبل أيام فارقنا الأخ الأكبر والصديق العزيز رجل الأعمال المعروف الوجيه محمد عبدالله المناعي، بعيدًا عن صدمة الرحيل، وعن دموع الفراق العظيم، فإن الفقيد "أبوطلال" سيظل حيًا في ذاكرتي، مرفرفًا بروحه الخلاقة وابتسامته الوارفة على محيط كامل من الأحداث والأنشطة والآثار الإنسانية. لقد ربطتني بالفقيد علاقة تجاوزت الـ 35 عامًا، لا يمر أسبوع إلا وتجمعني به مكالمة هاتفية على الأقل، كان كنزًا من المعلومات، وذخيرته الحية لم تنضب حتى الأيام الأخيرة من حياته، كان يقرأ بنهم، ويتابع بشغف، ويتواصل معي باهتمام، وبدوري كنت ألتقط ما وراء الأخبار الاقتصادية منه، ذات يوم حدث انهيار عظيم في أسعار الذهب، تراجع سعر الأوقية إلى حدود الألف دولار، وسعر الجرام في السوق البحريني إلى دينارين و850 فلسًا، وكنت في ذلك الوقت مديرًا لمكاتب صحيفة العالم اليوم المصرية في منطقة الخليج انطلاقًا من المنامة، أشبعوني اتصالات (عماد الدين أديب، عمرو أديب، جمال عنايت، لميس الحديدي)، حتى أجيء إليهم بالخبر اليقين. الأسواق العالمية كانت شديدة الاضطراب، البورصات وأسواق المال والسلع والمعادن النفيسة وكذلك العملات، ولم يكن أمامي بُد من شد الرحال إلى مكتب أبوطلال في مجمع شيراتون البحرين، الذي كان بمثابة الموقع المثالي لمحلات "المناعي للمجوهرات".
كعادته استقبلني الراحل الكبير بالمودة والترحاب وكرم الضيافة، وقبل أن يأتي السكرتير إلينا بالشاي والقهوة العربية، كنت قد أمطرت أبوطلال بالأسئلة، هل تابعت ما يحدث في أسواق الذهب اليوم؟ ما هو السبب في انهيار أسعاره فجأة رغم أن سوق النفط يوحي بأنه مستقر؟ ما هو السر يا ترى؟ هل لديك معلومات الله يخليك؟ لم تمر ثوانٍ على إنصاته حتى فاجأني بالقول: إنهما "الإخوة الأعداء"، "أوبن هايمر" و"روتشيلد" أكبر شركتين يهوديتين تحتكران حق التنقيب عن الذهب في محاجر زيمبابوي – أكبر منتج للذهب الخام في العالم - فتش عن هذين الاسمين ستعثر على السر.. هما من يحملان الصندوق الأسود الكفيل بتفجير الأسواق، هما اللذان اشتريا الذهب من محاجر التنقيب بزيمبابوي، وهما اللذان قاما بإغراق السوق العالمي به، استغلالاً لظرف زمني حرج قبل إغلاق حسابات بعض المصارف العظمى بنهاية العام، بل انتهازًا لفرصة الطلب الجامح لبعض الدول التي تعاني من صعوبة تغطية العجوزات في ميزانياتها بفعل انكشاف الغطاء عن أسعار صرف عملاتها.
هذا الوضع أدى إلى إغراق الأسواق بالذهب، وهو ما لا يمت أبدًا بأدنى صلة لما يحدث في سوق النفط العالمية التي كانت شبه مستقرة في ذلك الوقت. وأحمد الله وأشكر فضله أن الخبر أثار ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية والاقتصادية وكانت صحيفة العالم اليوم الوحيدة التي خصها العلامة الراحل بهذا التحليل الذي لم يصل إليه خبير سواه.
هكذا كان محمد عبدالله المناعي، مفكرا قبل أن يكون رجل أعمال، مثقفا قبل أن تعيقه عوالم "البزنس" والسعي وراء ضبط حركة الأسواق، وقبل هذا أو ذاك إنسانًا لا ينسى واجباته، و"صاحب صاحبه" لا يتخلى عنه أبدًا في الشدائد، وكريما بطبعه حيث كان مجلسه الرمضاني في البيت مفتوحًا طوال الشهر الكريم.
رحم الله أبوطلال وأسكنه فسيح جناته، والله يصبرنا على فراقه، لقد كان فارسًا أصيلاً، وتاجرًا نبيلاً، وإنسانًا فوق العادة.
كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية