عندما تحتفل البحرين بذكرى ميثاق العمل الوطني في الرابع عشر من شهر فبراير من كل عام، فإنها في الحقيقة تحتفي بأهم تحول سياسي في تاريخها المعاصر. هذا التحول الذي حمل معه المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، إدراكا مبكرا، باستحقاقات الواقع المحلي وتطلعات المجتمع نحو حياة أفضل ومشاركة أوسع في الحياة السياسية، وكذلك وعيا بما تحمله التحوّلات الدولية والإقليمية من تحديات ضاغطة، فجاء هذا المشروع انسجاما مع سنّة التطوّر والحاجة الدائمة إلى المراجعة والإصلاح. لذلك حظي ميثاق العمل الوطني، بما يشبه الإجماع الوطني. فالمبادئ التي جاء بها كانت ولا تزال محل إجماع، كما مهدت لمشـروع مجتمعي يحتضن الجميع، ويشارك فيه الجميع.. ويمكننا في هذا السياق أن نتوقف عند ثلاثة محاورة مهمة.
*كانت التعدّدية السياسية أحد أهم محاور هذا الإصلاح، تأكيداً على جدارة الشعب بحياة سياسية تعدّدية، مع العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية بشكل يتلازم مع تعميق مفهوم الحريات الفردية والعامة. وذلك لأن المواطنة تعني بالضرورة التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والمشاركة في الحياة العامة، وصولا إلى تأكيد ارتباط المواطنة بالهوية المشتركة وتعزيز الوحدة الوطنية، والعمل على تحقيق توازنات المجتمع الذي يجد فيه الجميع مكانا ومكانة.
*تكريس تساوي الحظوظ بين المرأة والرّجل أمام القانون وفي شغل الوظائف العامة، وتبوء المرأة مركز المواطنة الكاملة، باكتسابها حقوقها السياسية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بدعم وصيانة هذه الحقوق وحمايتها، فحقّقت نقلة نوعية في منزلتها في المجتمع، وعززت توازن الأسرة والمجتمع معا.
*مفهوم الإصلاح متكامل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية: فمع ضمان الحريّات وصيانة حقوق الإنسان، بدأ العمل على تركيز اقتصاد متحرّر تنافسـي، وتعميق الإصلاحات الاجتماعية، سعيا لتأمين قدر أكبر من العدالة الاجتماعية، وأدى ذلك إلى تحسّن كبير في كل المؤشّرات التي تهتم بتنمية البشـرية. الرؤية الفكرية والسياسية التي تقود هذا الإصلاح، وازنت بشكل واضح بين أصالة المجتمع وتاريخه الحضاري، من ناحية، وبين الانتماء للعصـر والاستفادة من مقومات الحداثة بما عزز التواصل بين الماضي والحاضر. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني