العدد 5594
الأربعاء 07 فبراير 2024
banner
رحم الله امرئ
الأربعاء 07 فبراير 2024


قالت العرب "رحم الله امرئ عرف قدر نفسه"، أي عرف حدوده ومقدرته ودوره، في تورية للعواقب الوخيمة التي تترتب على تجاوز المرء تقدير قدراته ووضعه، ما يعني أن الواقعية مطلوبة بعيدا كل البعد عن العاطفة. لاشك أننا كبحرينيين كنا نتمنى فوز المنتخب البحريني على نظيره الياباني في بطولة كاس آسيا التي احتضنتها دولة قطر الشقيقة وحققت العلامة الكاملة بعد استضافتها بطولة كأس العالم في العام المنصرم. أنا لست محللا رياضيا، لكنني مارست العمل الإداري الرياضي لسنوات طويلة في اللجنة المنظمة لدوري الشركات والمؤسسات لكرة القدم، وكذلك شغفي بلعبة كرة القدم ومتابعتي المستمرة للدوري الأوروبي بشكل عام والإنجليزي والإسباني بشكل خاص.
أنا لست بصدد الدفاع عن المنتخب البحريني الذي يقول الكثير إنه لم يحقق طموحاتنا وأحلامنا! وألقوا اللوم على الجهاز الفني والإداري واللاعبين! فمن وجهة نظري المتواضعة فإن الفريق حقق ما كان متوقعا منه وليس أكثر من ذلك. وكما ذكرت فإن الواقعية مطلوبة هنا، ولكننا دائما ما تغلب علينا العاطفة من واقع عشقنا وحبنا لوطننا وتمنياتنا بتحقيق أفضل النتائج خليجيا وعربيا ودوليا. فالفرق التي لعبنا معها مثل كوريا الجنوبية التي حققت اللقب مرتين واليابان أربع مرات في تاريخ البطولة! على سبيل المثال وليس الحصر قد وصلت إلى دور الثمانية حتى كتابة المقال وفازت على أقوى الفرق المشاركة. ناهيك عن عدد سكانها وإمكانياتها وخبرتها وتاريخها وسجلها الكروي، إضافة إلى احتراف معظم لاعبيهم في أقوى الدوريات العالمية! من حقنا أن نحلم بأن نحقق اللقب أيضا، وهذا حق مشروع، لكن كما قال المتنبي "ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن".
شخصيا، حرصت على حضور مباراتنا مع اليابان، وقد شهدت العدد المهول من البحرينيين الذين لبوا نداء الواجب الوطني وتحملوا عناء السفر وزحفوا إلى الدوحة من أجل الوقوف مع المنتخب الوطني، وهذا ليس غريبا على هذا الجمهور الوفي والمخلص والأصيل الذي ضرب أروع الأمثلة في الانتماء والولاء والمواطنة الحقيقية التي يتمتع بها هذا الجمهور بجميع أطيافه.
وتصادف أثناء تواجدي في سوق واقف في الدوحة حيث هو ملتقى جميع الزوار أن ألتقي أحد البحرينيين، حيث كان جالسا بجوار طاولتي. هذا الرجل العجوز الذي كان يبلغ من العمر حسب توقعي أكثر من 75 عاما على أقل تقدير، وأثناء الحوار عرفت أنه حرص على تواجده في جميع مباريات المنتخب !وكان من الملاحظ أن نرى الجمهور البحريني مزيجا من كل الأعمار، فقد "كفوا ووفوا" في تقديم صورة رائعة ومشرفة لوطننا الغالي من خلال التشجيع خارج وداخل الملاعب.
ما لم يخطر على بالي هو أن هذا الرجل العجوز كلف على نفسه مشقة السفر وانضمامه إلى الحافلات التي وفرها الاتحاد البحريني لكرة القدم! ولم أتوقع البتة أن الرحلة تستغرق أكثر من 8 ساعات، حيث إن الباصات تتحرك الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل. فالجمهور بلاشك سيكون منهكا، إذ إن عليه الرجوع إلى البحرين فور انتهاء المباراة! تصوروا حجم المعاناة التي يعيشها الجمهور بسبب المسافة والتوقيت وعدم توفير السكن! وللعلم فإن تكلفة الرحلة تبلغ 15 ديناراً تشمل المواصلات ووجبتي الإفطار والغداء وتذكرة المباراة. 
فرحلتي في سيارة خاصة على سبيل المثال استغرقت 3 ساعات ونصف فقط، وكنت أشتكي من التعب والإرهاق، فما بالك بأولئك الذين استقلوا تلك الباصات.. كنت أتمنى من الاتحاد البحريني لكرة القدم توفير هذه الخدمة بدون مقابل، بل كان رائعا توفير السكن المناسب مع منحهم مبلغا بسيطا كنوع من التحفيز لهم. 
قد يقول البعض إن الميزانية لا تسمح بذلك! أقول لهؤلاء إنكم دائما لا تجدون عذرا غير ذلك الذي أكل عليه الدهر، ولا تفكرون في وضع الحلول المبتكرة وتأخذون من عدم توافر الميزانية شماعة لتبرير الأمر! أنا على ثقة تامة بأن القيادة الرشيدة وسمو الشيخ ناصر بن حمد وسمو الشيخ خالد بن حمد لا يترددان لحظة في التوجيه لتخصيص ميزانية مناسبة لهذا الغرض.
فجميع وزارات الدولة وهيئاتها ومؤسساتها مسؤولة بشكل مباشر وكبير عن وضع الحلول المناسبة، ناهيك عن مؤسسات القطاع الخاص من بنوك وشركات والقطاع التجاري والصناعي وغيرها. وإحقاقا للحق فإنهم لم يترددوا في دعم الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص. ففي اعتقادي هناك تقصير من قبل اتحاد الكرة، فالجهاز الإداري مسؤول عن وضع تصور واضح ومخاطبة الجهات المعنية في تلك الشركات والمؤسسات، وأنا على يقين بأنها لا تتردد في تقديم الدعم اللازم. 
شخصيا عملت لسنوات طويلة في مجال العلاقات العامة والإعلام في إحدى الشركات الصناعية الكبرى في المملكة، وأنا أعلم جيدا ما أطرحه هنا في مقالي، فكان من الأولى مخاطبة مؤسسات القطاع الخاص من بنوك وشركات، وفي الوقت نفسه عدم المبالغة في الطلب، إذ أحيانا تكون مبالغ الدعم مبالغ فيها، ويفضل إعطاؤهم حرية الاختيار حسب الفئة التي تناسب ميزانياتها.
لذا فإن العمل الإداري يحتاج إلى بذل جهود كبيرة ومتابعة مستمرة ونفس طويل والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق الأهداف المرجوة.
متمنياً لجميع منتخباتنا المزيد من التوفيق والنجاح في الاستحقاقات الدولية المقبلة ورفع علم مملكتنا الغالية خفاقا.

كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .