المدينة المنورة اليوم، لا تشبه تلك التي عرفتها صغيراً. رغم أنني أحنُ إلى "العنابية" والأسواق والمكتبات العتيقة التي كنت أزورها وأنا في مقتبلِ العمر، إلا أن هذا الحنين الذي هو شوقٌ إلى فرح الزيارة الأولى إلى الحبيب الأكرم محمد بن عبدالله، قد يكون نوعاً من الرغبة في أن أقبض على ذلك النقاء الذي كان في داخلي، حين كانت تنهمر دموعي وأنا أكحل عيني برؤية المسجد النبوي والقبة الخضراء، فيما أسراب الحمام تتمايل سعادة بين ثنايا الزوار العاشقين.

كثيرٌ من التفاصيل تبدلت، وهناك ورشة واسعة من أعمال التوسعة وإزالة الأماكن القديمة والأحياء العشوائية، فالمدينة المنورة في صلب "رؤية المملكة 2030" من أجل رفع عدد الزائرين إلى المشاعر المقدسة، وهذا أمر يستوجب أن تكون هناك طاقة استيعابية أكبر، وخدمات على مستوى أعلى من الجودة والسرعة والكفاءة، تلبي احتياجات شرائح واسعة من الزوار الذين تتفاوت قدراتهم المالية، وأيضاً خبراتهم الحياتية ومستوياتهم الثقافية. لذا، تم الاشتغال من قبل "إمارة المدينة المنورة" على مشروع تطوير البنية التحتية والعمران من جهة، وأنسنة المدينة من جهة أخرى، بحيث تكون وجهة روحية باختيارات متعددة، تلبي طموح مختلف القادمين إليها من دولٍ وقارات عدة. وبقدرِ ما تم الاهتمام بتوسعة "المسجد النبوي الشريف"، فإن هناك عملا أيضا من أجل إضافة وجهات تتكامل مع طبيعة المكان، مثل المتاحف، والبيوت الثقافية، والآثار النبوية، والمواقع التاريخية، والحدائق، دون إغفال تفاصيل قد يعتبرها البعض هامشية، إلا أنها مهمة، كـ: المائدة المدينية، والأزياء التقليدية، والفنون الشعبية، والثقافة المحلية، والتي هي مزيج متداخل بين سكانِ طيبة الطيبة، ومن جاء إليها زائراً واستقر بها، فتشكل عبر السنين مزيج فريد، إلا أنه متجانس، عاش وتكامل بكلِ أريحية واحترام.

من يريد أن يتلمس دروب هذه الحكايا، فيمكنه أن يتفحص حساب "حياة المدينة" على منصة X، والذي هو بمثابة دليل إرشادي، سياحي، ثقافي، يعكس جزءًا من الرؤية الأكثر أنسنة للمدينة، والغاية التي جاءت بها الرسالة المحمدية، في قولِ الحق تبارك وتعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".

رؤية تروم أن تتسع المدينة لكلِ من أراد أن تغمره أنوارها، ويستلهم من تاريخها، ويعيش تجربتها، فيثربُ اليوم روحٌ وريحانٌ لمن رغبَ أن تكون له الحكمة زاد الطريق.

كاتب وإعلامي سعودي